بيان للشّاعر التّونسيّ محمّد بوحوش لن أضمّه إلى كتابي الذي سيصدر عنه : محمّد صالح بن عمر

“اعترافات رجل في عصر ما قبل “ليلى”

للشّاعر التّونسيّ محمّد بوحوش

 

نشر الشّاعر محمّد بوحوش  في شهر نوفمبر 2012 بيانا عنوانه “اعترافات رجل في عصر ما قبل “ليلى” أعلن فيه قراره التّوقف نهائيا عن الكتابة، تعبيرا منه عن استيائه  من الأوضاع المتأزّمة  السّائدة  في تونس  وفي معظم الأقطار العربيّة . و قد رددت عليه في الإبّان،   محاولا إقناعه بالتّراجع عن هذا القرار والعودة إلى الكتابة. وقد تراجع بعد فترة قصيرة. لذلك لم يعد لهذا البيان أيّ قيمة تاريخيّة ومن ثمة  فلا فائدة في ضمّه إلى كتابي الذي سيصدر عنه :

07 Mohamed Bouhouch

اعترافات رجل  في عصر ما قبل “ليلى” : محمد بوحوش

يعترف  هذا الرّجل – الذي .. أنا- بأنه قد طلـّـق  السّياسة ثلاثا بكلّ ما فيها ومن فيها، بعد أن غسل  يديه من كلّ ما هو عربيّ ، وبعد أن فشلت كلّ  مشروعات الأمّة العربيّة الواحدة ذات الرّسالة الخالدة وبعد أن تحوّل  ربيعه العربيّ إلى  شتاء  قارس وجمود وتقهقر على جميع  الأصعدة.فإذا حياته غربة.. بل غربتان .هذا الرّجل  يتالّم ويضرب برأسه على الحائط ،حائط المبكى العربيّ ، ويعترف بأنّه  قد انسحب من الحياة العامّة  بما تزخر به من همّ  وشتم وثلب  وبذاءة وانتهازيّة وركوب أحداث وثورات  وما تعجّ به من كتّاب وشعراء وأصدقاء هنا وهناك .لكن من حقّه  أن يذكّر الأذكياء في  هذا الوطن المغمّس في  المرارة بأنّه قد  كان أيضا  صاحب أحلام وتجارب ونضال وطقوس: بأنّه رُفت من جميع المعاهد  الثانويّة زمن الحركة التلمذيّة ، وفي  عهد  الزعيم  / المجاهد  وأنّه  قد مُنع من السّفر  وحُجّر عليه جواز سفره لمجرّد وشايات ونشاط   بمنظمة العفو الدّوليّة… ، وأنّه قد جوّع ومارس التخفّي في عهد المخلوع أيّاما وليالي  خشية الملاحقة والاعتقال . ثمّ إنّه كان دوما محلّ شكّ  لا تأتمن السّلطة  جانبه  لمجرّد أنّه  كاتب .

يعترف هذا  الرّجل-  الذي.. هو الذي  كتب “نشيد المجد: المجد للعمّال للأحرار،  للثوّار للراية الخفّاقة الخضراء…..لنا الوعد  نحن الأباة ونحن البناة الحماة ،  نموت ونحيا  فداء الوطن”، يعترف  بأنّه  قد كانت له  تجارب  مع الإسلاميين فالقوميين  فاليساريين،  وأنّه لم  يصدّق يوما بأنّ جنّة الفقراء بيد لينين أو  عصمت سيف الدولة أوميشيل عفلق أو السيّد قطب ويعترف بأنّه قد خرج أخيرا من كلّ هذا   بخفّي حنين  واختار له طريقا  آخر هو الصّمت والحبّ . يعترف بأن له قوانينه  الخاصّة وحدسه  الأكثر خصوصيّة في  فهم  الأحداث واستشراف  ما قد يكون .فمن اليوم سيعيد ترتيب الأشياء: سيخترع عشيقات و يعيش مغامراته مع  “ليلى” ولأجل” ليلى” / الحلم الأجمل والزّمن المستعاد، سيعيد كتابة التاريخ مؤرّخا بعصر ما  قبل ليلى  عوض ما  قبل  التاريخ وما بعد  ليلى عوض ما  بعد الحداثة والمحدثين، سيحارب هذا الرّجل  العاشق / المثخن بالجراح  في  سبيل  عصر من  الحبّ الخالص. وسيجمع  بين ما هو وطنيّ وقوميّ وأمميّ وبين ما هو إسلامي ومسيحيّ ويهوديّ  وبوذيّ الخ… سيحبّ اللغات والأجناس والأوطان  والأديان والثقافات جميعا . سيكون ابن هذه الأرض المعذّبة ،سيترجّل هذا  الرّجل من على صهوة  همومه وقضاياه  وهو الذي عرف  حقوق  الإنسان ولم يجد إنسانا لها ، وعرف  المجتمع  المدنيّ  لكنّه اصطدم بهمجيّة وبربريّة وتخلّف  مجتمعه ، عرف أسرار   الثّورة فلم  يجد ثوارا ،  وعرف الأمّة العربيّة  فلم  يجد سوى  شعوب وقبائل  وعشائر  وطوائف  تتناحر . وهو أيضا الذي آمن بمعلّقات دينه  الذي في السّماء   فوجد جحيما لدينه  في  الأرض.

هذا  الرّجل – الذي ..  أنا – يعلن  انسحابه ونهايته بكاتم صوت  بعد أن فشل  في تفسير العالم وتغييره.

 

ردّي على بيان الشّاعر محمّد بوحوش :

في تقديري أنّ الموقف الذي اتّخذته خاطئ تماما . وذلك لأنّ الكتابة الإبداعيّة فنّ في المقام الأول لا صناعة  . والكاتب   الحقيقيّ مهما كان اتجاهه لا يستطيع أن يوقف النصّ إذا  بدأ يتشكّل في ذهنه . فمهما فعل فإنّه ينمو  رغم أنفه، إلى أن  تجيء ساعة المخاض وتحين لحظة الولادة  ، بخلاف هواة الكتابة غير الموهوبين  – وهو ما ينطبق على أكثر من ثمانين بالمائة ممّن يمارسونها في العالم –  الذين يبذلون أقصى الجهد  من أجل جلب النصّ  إليهم  ، لأنّه عصيّ عليهم ولا يأتيهم بنفسه  فتجيء كتاباتهم عندئذ  مفتعلة لا تحرّك في القارئ ساكنا   . ولقد برهنتّ في أكثر القصائد التي نشرتها  – وقد أتيحت لي  فرصةُ تشريح بعضها – على  أنّك من الصّنف الأوّل لا الثاني . فكيف تستطيع  إذن اتّخاذ قرار في التوقّف عن الكتابة  ؟ وهل الأمر مرتهن بقرار يُتّخذ في موقف انفعاليّ   كالذي بيّنته في مقالك  ؟ أنت تستطيع لا محالة أن تتوقّف عن النّشر وأن تمتنع عن المشاركة في الأمسيات . لكنّي على يقين  من أنّك ستظلّ تكتب لنفسك  حتّى آخر رمق من حياتك . أمّا الأسباب التي علّلت بها موقفك فأشاطرك الرأي في جلّها  . فليست طبيعة الأحداث التي وقعت  في بعض الأقطار العربيّة بتهليل وتزكية من عدوّة العرب الأولى الولايات المتّحدة الأمريكيّة ممّا ينبئ بأنها ستكون فاتحة لنهضة اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة عربيّة متطوّرة تمكّننا من اللّحاق بالغرب المتقدم بل إنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على رجوع خطر إلى الوراء في كلّ الميادين . والأرقام الصّادرة عن أشدّ مؤسّسات  التقويم  الاقتصاديّ مصداقية   في العالم شاهدة على ذلك .  ولكن هذا التيّار الجارف لا يمكن لأحد أن يوقفه، لأنه خارج عن إرادة العرب أنفسهم  ومحكوم بعوامل داخليّة وخارجيّة  قويّة لا قدرة لهم  على التأثير فيها . فهل الحل  عندئذ هو الاستسلام و التوقّف عن الكتابة ؟ كلا  ! لقد عاش أبو الطيب المتنبّي في عهد لا يقلّ تأزّما عن عصرنا الحالي وكتب  ما كتب من روائع خلّدها التاريخ  فنقف أمامها اليوم إعجابا وإجلالا ومثله أحمد شوقي وأبو القاسم الشابيّ وجبران خليل جبران وبدر شاكر السيّاب . وانظر الشّعر الفلسطينيّ كم هو مزدهر على الرّغم من المأساة التي يعيشها الفلسطينيّون منذ أربع وستّين سنة . فهل قرّر معين بسيسو أو محمود درويش أو توفيق زياد أو سميح القاسم  ذات يوم التوقّف  عن الكتابة ؟ . إنّ الحالة الوحيدة التي تتسبّب في توقّف تجربة إبداعيّة ناضجة ما هي نضوب القريحة مثلما حصل لرامبو  وهو في العشرين من عمره . وهي حالة نادرة لا أظنّها تنطبق عليك . وكلّ ما أرجوه هو أن تغلبك القصيدة فترجعك إلى الكتابة صاغرا لما فيه خير الشّعر التّونسيّ  والعربيّ الذي هو في حاجة إلى المزيد من عطائك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نشر الشّاعر محمّد بوحوش  في شهر نوفمبر 2012 بيانا عنوانه “اعترافات رجل في عصر ما قبل “ليلى” أعلن فيه قراره التّوقف نهائيا عن الكتابة، تعبيرا منه عن استيائه  من الأوضاع المتأزّمة  السّائدة  في تونس  وفي معظم الأقطار العربيّة . و قد رددت عليه في الإبّان،   محاولا إقناعه بالتّراجع عن هذا القرار والعودة إلى الكتابة. وقد تراجع بعد فترة قصيرة. لذلك لم يعد لهذا البيان أيّ قيمة تاريخيّة ومن ثمة  فلا فائدة في ضمّه إلى كتابي الذي سيصدر عنه :

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*