اليومُ الأوَّلُ بعدَ المَعركةِ : شعر: مرح مجارسة – اللاّذقيّة – سورية

مرح مجارسة

غداً نُدرِكُ أنَّ الثَّوراتِ 

ليسَتْ مَلاعِقَ للرِّيحِ
ولا مغناطيساً يلتقطُ الرَّصاصَ الحيَّ
وأنَّنا لم نكُنْ قِرَدةً تتقافَزُ على أكتافِ المارَّةِ.

 

غداً نُدرِكُ
أنَّنا لا نحملُ هويّةً مَثقوبةً
ولا نلبسُ حذاءَ أحدِهِمْ

ولا نسرقُ طريقَهُ.

 

غداً نستقبلُ أصدقاءَنا
بأسمائِهِم الجديدةِ

على الشَّوارعِ 
ولافتاتِ الحاناتِ

والمَدارسِ
والمَشافي الحكوميّةِ.

 

غداً نجلسُ مع أشباحِهِمْ خلفَ جُدرانِ ماضينا المَبتورِ
نفتحُ صناديقَنا معاً
نُخرِجُ النِّساءَ والأرصفةَ 
وننفخُ عنهمُ الغُبارَ
نقرأُ رسائِلَنا القديمةَ
ونشتُمُ ساعيَ البريدِ
وصنّارةَ الصَّيدِ
والبحرَ
والأسماكَ.

 

غداً تمسَحُ أمُّنا العجوزُ
بُقَعَ الدَّمِ الصّغيرةَ عن ذاكرةِ الشّمسِ
وتبدلُ شراشفَ القُبورِ
تهشُّ بعُكّازِها مُؤخِّرةَ الوقتِ 
تقولُ: امضِ.. 
كي أعيدَ ترتيبَ الجُذورِ 

في قاعِ الأصيصِ.

 

غداً تتركُ أختُنا
شفتيْها الغامقتيْنِ للقُمصانِ الباردةِ
تبكي
وهي تُدحرِجُ كُلَّ الجهاتِ نحوَ الماءِ

وتُضمِّدُ جُرْحَ بطنِها بِخُيوطِ العنكبوتِ.

 

غداً يُسقِطُ أطفالُنا أسلحةَ العيدِ
ويَهمُّونَ بجمْعِ حبّاتِ الخَرَزِ
من ساحاتِ المَعارِكِ الخامِدةِ
بأجسادِهِم المُقفَّعةِ

 :عندها سأسألُكَ
/هل مُتَّ حقّاً،
 أم إنَّكَ لم تتخلَّ عن عادَتِكَ الطُّفوليّةِ في الاختباءِ؟!/

 

غداً يبكي الشَّمْعُ
حتّى تنطفئَ عيناهُ
نُشعِلُ مِصباحاً كهربائيّاً
نجلسُ إلى المِدفأةِ 
نُقلِّبُ صُوَرَ أصدقائِنا المُغتربينَ
نشدُّ أُذُنَ الغِيابِ بمَلاقِطَ صدِئةٍ. 
البلادُ الباردةُ غداً
أصابعُ مُبعثَرةٌ في يدٍ واحدةٍ
راياتٌ ترعُفُ فوقَ مَتاريسِها
وأحدُهُم يكتبُ:
“من هُنا مرَّتْ كتائِبُ الحَمَامِ”.

 

 /لو أنَّ موجاً من اللّاذقيّةِ يصِلُ إلى دمشقَ

ويحلُّ ضيفاً على ذاكرتِنا المُتعَبةِ

 لن نحتاجَ إلى مَجاديفَ لنعبُرَ الأزقَّةَ الضَّيِّقةَ بيننا/

 

غداً
حينَ يكونُ في كُلِّ حقيبةٍ
جنينٌ سوريٌّ
يبحَثُ عن رصيفٍ في قاعِ المُحيطِ
ليُولَدَ عليهِ

أفتَحُ أنا نافذةً 
في قريةٍ مُهدَّمةٍ
ليخرُجَ الألَمُ
الذي ينبَحُ في رَحِمٍ خالٍ
تنزفُ ذاكرتُهُ على الأريكةِ
 تحتَ سقفِ الخيبةِ المَفتوحِ.

 

كلُّ سنونوةٍ مُهاجِرةٍ
تركَتْ قُبلةً على كتِفِ الغُصْنِ
نظَرَتْ إليَّ، وبكَتْ..
كُلُّ سنونوةٍ
أحبَّتِ البلادَ كطفلٍ ضالٍّ
وهاجَرَتْ سيراً على المَناقيرِ.

 

أحتاجُ إلى رصاصٍ كثيرٍ
كي أكتُبَ اسمَكَ الطَّويلَ كمُوسيقى النَّصرِ

 أو كي أترُكَهُ في قلبِ أحدِهِم :

“غداً أقَعُ على عتبةِ خيمَتِكِ (بيتُكِ الجديدُ)

أُهديكِ حصَّتي من المَعونةِ الإنسانيّةِ

وأُخبِرُكِ أنِّي أُحِبُّكِ.”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*