يوميّات مغترب في زمن الكورونا : عمرو أبو العطا – كاتب مصريّ من القاهرة مقيم في السّعوديّة

عمرو أبو العطا

لأنني أعيش بخيالي بأكثر مما أكون بواقع الحياة، فإن فكرة العزلة التي أنا عليها بسبب كورونا تفتح لي أبواباً ومتّسعاً من الخيال أكثر فأكثر، بل أنها تدفعني أكثر إلى واقع ملموس ممزوجاً بخيال مبهم.

استيقظت اليوم قبل موعدي، وبداخلي طاقة غير عادية تدفعني إلى الجنون.. لم أستطع الجلوس في فراشي أو الانتظار في البيت، لم يبق سوى ساعات قليلة على الحظر.. بدت الشوارع شبه فارغه، الخطوات بالكاد تشق السكوت، استقبلني هواء بارد فانتعشت وكأن العالم ملكي، لم أعد أكره الحياة كما كنت من قبل في هذه اللحظة التي استيقظت من نومي ورأيت العالم بشكل مختلف كطفل يراقب بابتسامة حالمة وبراءة مبهجة.. أنا نفسي لا أدري كيف ومت؟

قد تكون حياتنا في الغربة خشنة وقاسية، ولكننا نشعر في وقت ما على الأقل بالتحرر من القلق، ولقد كان كل شيء يسير على ما يرام، ولكن فيروساً لا تراه العين المجردة جعل الشوارع فارغة والعصافير تترك أغصان الأشجار، جعل العالم يعيش في هدوء، وحال دون العمل في وقت مبكر.

النهار طويل في هذه الأيام، سأسير 3أميال أخرى ثم أنحرف يميناً.. هذا المكان جميل، وكلما أمعنت في السير تبدو لي الشوارع أجمل.

نظرت إلى الشمس قد حازت الأرض، واختفى جانب منها، فأدركت حينها أن عليّ العودة إلى البيت، عندها شعرت بالاضطراب إلى أبعد الحدود، وساد الصمت العميق لساعات.

في ساعات الليل تهتز الروح بالذكريات، وتميل ميلاً خفيفاً في حزن وأسى، هناك أشياء نفيسة وعزيزة بداخلنا، نؤثر أن نبقيها كامنة في زاوية من أرواحنا بعيدة عن العيون المتطفلة، وتبدأ ساعات الوحدة والسكون.. أيام وليالٍ لا مثيل لها، ولم أعرف من قبل شيئاً يقاربها أبدا.

جلست متأملاً تلك السنوات التي مضت من عمري، وهي تلوح لي بعيداً، بين عدد لا نهائي من الذكريات والمشاعر المتضاربة، والقليل من الأمنيات المتحققة، أجدني أتساءل بيني وبين نفسي: هل أنت سعيد في الغربة؟

رغم كل الإخفاقات والصراعات الحياتية، كان يجب أن أعترف لنفسي بأنني سعيد وسط كل هذا العالم الصاخب الحزين.. سعيد رغم هذه الأيام التي نعيش فيها، تذكرني كل دقيقة بضعفي كإنسان.. تذكرني من أنا، ومن كنت، ومن أريد أن أكون.

لديّ 5 أصدقاء أتواصل معهم يومياً على برامج التواصل الاجتماعي، هم: «آدم، عمر، علاء، أحمد، وائل» نتناقش في بعض الأمور، نتسلَّى ليمر الوقت بسلام، نتبادل بعض النصائح، نحكي ما مر معنا خلال اليوم.

في أحاديثنا الأولى كنّا نستلذ باعترافات خطرة.. نخشى أن يضحك أحد منا في الظلام، وفي منتصف الحديث كنا مدهونين بالأسى والخوف، ويبقى الصوت حاضراً، وفي نهايته أعرف جيداً لما ذا افترقنا؟، وينتهي بي الأمر إلى الصمت، وإنصاف الواقع الذي نسعى لإنكاره، وسيكولوجية العقل التي نحاول أن نعارضها، والحقيقة التي نزيفها من أجل أن ترتاح ضمائرنا: نحن نعاني فراق الأحبة والأهل، ونعاني من غربة مجهولة الهوية.

سأكتب بقدر انزعاجي، بقدر الأيام التي تنقضي في هذا الحظر، بقدر الوقت الذي يتسرب بخوفي من كورونا، حتى الأكل والنوم والاستحمام أصبحت معوقات أنجزها بصعوبة.. لن أفعل أمراً خارقاً، فقط أردد النشيد الوطني، وأشتاق لقريتي الصغيرة.. هذا ما أستطع فعله، فماذا كانت تُريد هذه الغربة السخيفة أن أفعل غير ذلك؟

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*