فاطمة عبد الله من القدس(فلسطين) تكتب عن قصيدة “بين القبلة والقبل” للشّاعر العراقيّ المصيفي الرّكابي

المصيفي الرّكابي

فاطمة عبد الله

* القصيدة :بين القبلة والقبل*

هذي العيون السود
يعلوها..
خيط السحر !
وذي أهلّة وردية
تزيّن القمر
سهوّت
مخذولا بجمالها
استعذت بالله
وقمت للصلاة
استمهلتني..!!
قبيل البسملة
و..همست.. !
أيّها المصليّ
دع القبلة
والثمني .. بالقبل ..!
ثم.. توضّأ
وصلّ قضاءً.. !
و.. استغفر الله
 قبل دنو الاجل.

في نقدي لهذه القصيدة، سأتبع ذوقي وسيلة أساسية، وأنا أؤمن أن للذوق دوراً أساسياً في التلذذ بطعم الأشياء، على نحو لا يستطيعه أي تحليل، إلا أنني سأستند مع الذوق إلى الأدب والفن قدر الإمكان، حتى تكون هذه القراءة أكثر موضوعية، وترضي القارئ عن ذوقي.
أجد روح متصوف في هذه القصيدة، وما التصوف والحب إلا حالة روحية عميقة. ففي هذا الزمن الصعب ليس لنا ملاذ سوى الحب، والمبدع من يسكب هذا الحب على الورق، فتبدو الكلمات قلوبا نابضة، تتراقص دقات حروفها شغفا وإقبالا على الحياة.
يستهل الشاعر قصيدته بالغزل ويستطرد من الغزل للصلاة، وربما يستهجن القارئ ويحتج كيف يمزج الشاعر إحساسه بالحب والغزل ويخلطه بالتعبد والصلاة في آن ؟
فيكون القارئ كمن لعب عسالا ممزوجا بخل!
علام حملنا على بساط التغزل والهيام، والفتنة بالملامح الجميلة التي تتدفق بالحيوية، وتصرخ النفس بشعور فرح، فينمو إحساسا دافقا نحو اللهو ! ثم يقف للجد والاستغفار !
لا استهجان هنا إذا عرفنا أن هذا هو صدق العاطفة، وصدق التجربة، حيث يعبر الشاعر عن حالة شعورية صادقة، امتلأ بها كيانه، حتى بدت أنها ستجتاح نفسه، بيد أن وعيه وانفعاله الداهم، جعله يملك زمام نفسه لبرهة، يتجه بها إلى محراب صلاته وقبلته، وما كاد يفعل ..حتى عاد إلى صفاء النشوة، وينزع إلى ميقات الفجر، وقد أعطانا صورة نفسية متكاملة بإحساسه المتركز على الشعور الذي يتدخل به العقل والورع ..ثم يجعلنا نفقده مرة أخرى، في حديث امرأة عن قبلة، وما يرافقها من خفقات تتأجج بحلاوة خواطر تصل الذروة..ثم تتلو هذه الالتفاتة التفاتة أخرى، حيث تهب نسائم التوبة وريح الاستغفار. فعلى سلم موسيقى أحاسيسه يحملنا الشاعر، صعودا ونزولا بين اشتهاء وكبح شهوة، وبين فتنة واستغفار.
أبدع الشاعر في وصفه لمحبوبته القريبة، وجمالها المحسوس، وفتنتها. فقد أتى بوصف محسوس موسوم  بالفكر لا ملفوظ باللسان —عيونها السود يعلوها خط السحر—، وقد اكتملت اكتمال البدر في الليالي الباردة،تزينه الهالات الساحرة. فامتلك بقصيدته صدق العاطفة. وتمام التعبير عن الوعي والشعور، فالشاعر القدير يصرفنا دائما إلى وقع الموصوفات في النفس، والخاطر. لأن شعوره يصدر من داخل نفسه وخاطره.
ومن جمال رؤيا الشاعر مجانسته عنوان قصيدته جناسا تاما، حيث نوّع الحروف وعدد الحروف، وهيئة الحروف وترتيبها، ثم يأتي بها مكررة في المتن لتزيده تماسكا وصلابة، وكفاءة بعلامة التعجب. فكان هيكل القصيدة وتنسيق جملها متسقا اتساقا تاما في اطراد تتابع الفكرة، وحالتها الشعرية .

فاطمة عبد الله
فلسطين.. القدس

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*