أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:12 : قصائد فطيمة معاوية: 12-3: الشّعراءْ

فطيمة معاوية

 

الشّعراءْ

أنبياءْ

لأفكارهم المتحررّةِ

صلةٌ بكلِّ  ما يتحرّكُ

و بكلِّ  ما ينبِضُ بالحياةْ .

أمّا الميّتُ العديمُ الجدوى

الذي يقصِمُ الظّهرَ

فلا سلطةَ له عليهم

لأنّ النّارَ التي تلتهبُ في ذواتهم

قد أصابتهُ

وأطفأتْهُ  

 

هذه القصيدة القصيرة هي، حسب ما أفادتني به  صاحبتها،قديمة نسبيّا .وهي قد  ترجع إلى الفترة التي كانت تخطو فيها الشّاعرة خطواتها الأولى في درب القريض والتي كانت لها فيها هذه الملامح البادية في الصّورة.ومن ثمّة فلهذا النّصّ أساسا قيمة تاريخيّة.ومن ناحية أخرى لمّا صيغ ، إلى حدّ ما ، في شكل بيان شعريّ فمن الممكن أن يرشدنا إلى الاختيارات الفنّيّة والفكريّة التي كانت لصاحبتها في مرحلتها الأولى خاصّة أنّ لنا فكرة واضحة عن تجربتها الحاليّة التي تتنزّل، دون أدنى شكّ، في التّيّار النّضاليّ الملتزم.

لعلّ المعلومة الرّئيسة التي يزوّدنا بها هذا النّصّ هي تعلّق مؤلّفته بقيمة الشّعر الذّاتيّة ، طبقا لما عرّفه به بول فاليري (Paul Valéry ) من أنّه “تعبير فنّيّ عن تجربة معيشة”.وذلك  على عكس ما  دعا إليه المذهب الجدانوفيّ (نسبة إلى فلاديمير جدانوف الرّوسيّ ) من حصر قيمة النّصّ الأدبيّ في مضمونه الثّوريّ .ففي هذه القصيدة ترفع فطيمة معاوية الشّاعر إلى  درجة النبيّ (الشّعراءْ أنبياءْ ).وذلك اعتبارا  لملَكة  الرّؤيا  التي يتمتّع بها والتي بها يستطيع  التّكهّن  بالمستقبل .وهو ما نترجمه نحن بالمصطلح العرفانيّ ” قُدرات حدْسِيّة” ، تلك القدرات النّابعة من ملكة ذهنيّة موضوعيّة ولا علاقة لها بالخوارق .وفي النّصّ إشارة صريحة إلى ملكة أخرى هي فرط الحساسية لكن في إطار محدّد جدّا هو حريّة الفكر والحياة (لأفكارهم المتحررّةِ  صلةٌ بكلِّ  ما يتحرّكُ  و بكلِّ  ما ينبِضُ بالحياةْ )، مع  الإلحاح ثمّة خاصّة على الحياة، باستبعاد كلّ ما له صلة بالموت استبعادا تامّا لسبب وجيه هو أنّه نقيض الحياة  (أمّا الميّتُ العديمُ الجدوى الذي يقصِمُ الظّهرَ فلا سلطةَ له عليهم  لأنّ النّارَ التي تلتهبُ في ذواتهم قد أصابتهُ  وأطفأتْهُ  ) .وللشاعر أيضا، حسب ما جاء في هذا النّصّ، ملكة ثالثة هي طاقة تطهيريّة جبارّة رمزت إليها صاحبة النّصّ ب” النّار”. لكنّها نار بعينها تحرق كلّ ما هو عديم الجدوى وتُنبِت في رماده ما هو مفيدٌ وناجعٌ .وهكذا نجد أنفسنا إزاء فطيمة المناضلة الملتزمة التي نعرفها والتي لم تحدْ  إذن قِيدَ أنملة عن قناعاتها الفنّيّة والفكريّة من شبابها الباكر إلى اليوم فظلّت على الدّوام شابّة بأفكارها التّقدّميّة وفنّها المتجدّد .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*