أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:5 : قصائد سوزان إبراهيم : 5- 1: حلزونات الخوف

سوزان إبراهيم

 

حين رفعتُ الغطاءَ عن سقفِ حلقي

فاجأتني حلزوناتُ الخوفِ

وطحالبُ الوجعِ المخنوقِ

. خشيتُ السّيرَ بين الجموعِ دون سقفٍ لحلقي

وأنا أعْبُرُ نفقاً طويلاً بين عظامي ولحمي..

يا نجمةَ الصّبحِ

أعيريني بعضَ ضوئِكِ

لأسيرَ في هذا اللّيلِ دون سقفٍ

 

صاحبة هذه الأبيات  معروفة لدى أصدقاء هذا الفضاء  وجلّ المجموعات الشّعرية  الفرنسيّة  فضلا عن العربيّة حيث تحظى بالإعجاب  بفضل  ما  اخترناه وترجمناه  لها في السّنوات الثّماني الأخيرة  من مقتطفات شعريّة كثيرة إلى لغة موليار. وإذا كان توجّه  تجربتها العامّ لا يخرج عن دائرة  موجة اللّون المأسويّ التي هي بصدد  اكتساح الشّعر العربيّ منذ حدوث ما سُمّي “الرّبيع العربيّ” ، فإنّها تتميّز عنها بقوّة أثر الصّدمة التي تلقتّها ببلد  أوقعت  فيه حرب جنونيّة بين أشقّاء أسهمت في تأجيجها أطراف عربيّة وأجنبيّة ،  إلى حدّ الآن،  ما يقارب الثّلاثمائة والخمسين ألف ضحيّة . وهكذا إذا كان يغلب على  الحالة التي انتابت ولا تزال الشّعراء التّونسيّين والمصريّين أو حتّى السّوريّين  المهاجرين الانهيار فإنّها تتّخذ عند الشّعراء السّوريّين المقيمين في الدّاخل وسط المواجهات الدّمويّة صورة ذُهان  حقيقيّ .والفرق بين الحالتين هو أنّ الانهيار يمسّ الجهازَ العاطفيَّ  على حين يصيب الذُّهانُ الجهازَ العرفانيَّ أي آلةَ التّفكير أو المفكِّرةَ ويمكنه ، لهذا السّبب، أن يقود إلى الجنون  مثلما  يُلاحظ في هذه الأبيات التي تلوح فيها جليّة جلّ أعراض الحالة الذُّهانيّة النّمطيّة . فخطاب الشّاعرة يكشف عن هلْوسَات على هيئة ضروبٍ من الإدراك وهميّةٍ غريبةٍ (حلزونات الخوف – طحالب الوجع  –  دون سقفٍ لحلقي) و عن فقدان تامّ للاتّصال بالواقع  (أعبر نفقاً طويلاً بين عظامي ولحمي.. – أسير في هذا الليل دون سقف ).وهذه التّصوّرات التي هي بطبيعة الحال لا إراديّة وعفويّة ،يرى فيها المحلّل علاماتٍ لآثار نفسيّة معيّنة . وهكذا فإنّ السّقف، على سبيل المثال، ربّما يرمز إلى السّماء الحامية . وغيابه ،مثلما هو الحال هنا، قد يكشف  عن إحساس بانعدام الأمن.  أمّا الشّكل اللّولبيّ لصدفة الحلزون فإنّه يثير في الذّهن صورة المسارب المتعرّجة  للمتاهة . وهي  ليست هنا سوى رمز للوضع السّائد بالبلاد ،  المولّد للشّعور بالضّيق والإحساس بالفقدان التّامّ لنقاط الاستدلال . ويمكن القول  إنّ المستوى الأسلوبيّ هو الأكثر  إفادة من هذه الأحاسيس المتداخلة  بحكم  كون التّعبير عنها قد منح النّصّ نسيجا استعاريّا  تتخلّله مجموعة من  الصّور الأخاذّة .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*