في قبضةِ النِّداءِ :مازن أكثم سليمان – دمشق – سورية

الشّعراء السّوريّون والشّاعرات السّوريّات من الجيل الجديد ، أحفاد محمّد الماغوط وحفيداته وأبناء أدونيس وبناته يواصلون إبهارنا بقدراتهم العجيبة على تنقية لغاتهم الشّعريّة من الدّلالات المرجعيّة دون التّعثّرِ في أداء  المعاني التي يقصدونها  .ورائدهم في ذلك أنّ الشّعر إنّما هو إيحاء وإبهار لا تصريح وخطابة  .و في هذا  تستوي عندهم الومضات والقصائد المطوّلة ،مثلما نلمسه عند هذا الشّاعر الفيلسوف مازن أكثر سليمان ذي النّفس الطّويل  الذي يطوّع اللّغة كلّيّا لمقاصده دون الوقوع في الخطاب المباشر.

 

أَرْجعِي الصّوتَ إلى البائعِ..!!

ليسَ لأنّهُ باهظُ الثّمن كتُحفةٍ…

ولا لكونهِ من وكالةٍ زائفةٍ منذُ الأزلِ.

ليسَ لأنَّهُ مَقطوفٌ من البستانِ كأثوابِ الجَدّاتِ

ولا لأنَّ خفَقَانَهُ لا يُحاكي عيدَ ميلاد المُوضةِ.

أرْجعيهِ..

فهوَ ضيِّقٌ على خَصركِ إذ يُبرِقُ للمُستحيلِ

وأقصَرُ بكثيرٍ من “غابتَيِّ النّخيلِ في عينيكِ”.

ياقتُهُ لا تطردُ الضّبابَ من فوقِ نهديكِ

وأكمامُهُ لا تتفتَّحُ كمواضيعِ التّعبيرِ في المدرسةِ الابتدائيّةِ.

الأصدافُ التي تُزيِّنُهُ

لايُسمَعُ فيها لُهاثُ البحرِ

والانثناءاتُ المَشبوكةُ بهِ

لم تتحوَّلْ إلى مُوسيقى تركُضُ.

ألوانُهُ لا ترقى

إلى فُتوّةِ صباحاتِ الأمطارِ

وذيولُهُ لا تُجاري

رقصاتِكِ الأكثَرَ شباباً من ضاحيةٍ حديثةٍ.

أزرارُهُ لاتُشبهُ

طواحينَ الهوى على سطحِ القلبِ

وقُماشُهُ لا يُضاهي

قطاراً يُقِلُّ قوسَ قزحَ إلى المدينةِ.

التصاقُهُ بجسدِكِ

يغدرُ برُؤى النّوافذِ

وابتعادُهُ عنكِ

لا يسكبُ الغيومَ شهيقاً على العِناقِ.

المَواعيدُ لا تأخذُهُ مرّةً واحدةً كالرّغبةِ

والمَرايا لا ترسمُهُ من أوّلِ نظرةٍ.

أرْجعِي الصّوتَ حالاً إلى البائعِ...

ليسَ لأنَّهُ كالمَحارةِ مُحتشِمٌ

أو لأنَّ الرّيحَ لا تهزُّهُ

كما يهتزُّ كيسُ الحلوياتِ في يدِ طفلٍ.

ليسَ لأنَّ مُخيِّلتَهً تقلَّصَتْ كنارٍ خجولةٍ

ولا لأنَّهُ لا يتلاعَبُ بعُمْقِ آبارِكِ

أنّى تتلاحَقُ الصُّوَرُ، وتتكاثرُ.

. . .

. . .

أرْجعيهِ بأسرعَ ما يُمكِنُ

أو مزِّقيهِ إنْ شئتِ

وارشُقِي عليكِ الجسدَ الفقيرَ الهامشيَّ بلا متنٍ

المُدوَّنَ المُتعدِّدَ المُتكرِّرَ المَنسيَّ الهشَّ الهُلامِيَّ

ذا النُّسخِ غيرِ النِّهائيّةِ

لا الصُّوفيَّ ولا القُطنيَّ

الشّفّافَ المائيَّ الهوائيَّ الزّائغَ المُموَّهَ

من يُحاكُ في تلافيفهِ الجَمالُ

وتنامُ في عطرهِ الغَرابةُ

رسولَ النّداءِ الوفيِّ

ابنَ عمِّ كُلِّ قُبْلةٍ طائرةٍ

وخالَ العشقِ الأزَليِّ

الذي لا يُرَدُّ ولا يُبدَلُ في سُوقٍ

المُستمرَّ المُتدفِّقَ كنهرٍ ثوريٍّ يتغلغلُ في بحرٍ طيِّعٍ

الرَّحّالةَ زائرَ البراري حافظَ المُدُنِ وكاشفَ سرِّ الشُّرفاتِ

الجوّابَ الجوّالَ خبيرَ الكونِ فَحوى العالَمِ:

. . .

. . .

الصَّدى.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*