الهُوِيَّة: شعر: مازن أكثم سليمان –دمشق – سورية

مازن أكثم سليمان

 

حدِّقْ بالجَمالِ

ولا تشرحِ الأشياءَ كثيراً

لن تُقنِعَ الغافِلَ

أنَّكَ مسارُ أحلامِهِ

وأنَّكَ الشّقيقُ الثّامنُ

لأيامِ الأسبوعِ

فلا أحدَ سيُصدِّقُ

أنَّ نتوءاتِ عظامِكَ الحادّةَ

خُلِقَتْ من ثوانٍ وماءٍ..

أنَّ أهدابَكَ

تلفُّ الهواءَ وشاحاً على الرُّؤى..

وأنَّ مَزارَكَ

حارةُ الحُبِّ المنسيّةُ في كُلِّ مدينةٍ..!!

 

حدِّقْ بالجَمالِ

وخُذْ نفَسَاً عميقاً

كأنَّهُ آخِرُ عهدِكَ بالدُّروبِ والمَصائِرِ

فرُبَّما يُصدِّقُ الأطفالُ

أنَّ أصابعَكَ الأسطوانيّةَ

مثلَّجاتٌ إنْ ذابَتِ المُثلَّجاتُ..

أنَّ ضجيجَهُم المُشاغِبَ

انزلاقُ الضّوءِ على خدَّيْكَ..

وأنَّ اللُّعبةَ السِّرِّيّةَ بينهُم

يستطيعونَ مُمارَسَتَها في قلبِكَ ذاتِهِ..!!

 

… كُنْ مثلَ ظلِّكَ

إنْ أظلَمَتْ..

ينفصِلُ عنكَ بلا وازعٍ

كأنَّهُ لم يعتنقْ جسدَكَ يوماً

فالذّهابُ إلى الغيابِ

فرصةٌ أُخرى للغناءِ والتَّهوُّرِ

والعودةُ إلى الهوى

كنايةٌ عن سؤالٍ قديمٍ يتجذَّرُ في الغَرابةِ

فهل تُصدِّقُ الأنثى

أنَّ صدرَكَ دفترُ رسمِها

كي تُمَدِّدَ شفتيْها على بساطِ اللّونِ الذي تهواهُ..

أنَّ عمودَكَ الفقريَّ محورُ سفينتِها

كي تصعَدَ السّاريةَ، فترى ما بعدَ الأشجارِ الغامضةِ..

وأنَّ ذراعيْكَ المرساةُ الكامنةُ لنهديْها

كي تظلَّ أحضانُها جزيرَتَكَ الآمنةَ على الدَّوامِ..!!

 

كُنْ ولادةً كاملةً

ولا تكتفِ بنصفِ مَكيدةٍ

لا تضعْ قدَماً على الرَّصيفِ

وأُخرى على فُوَّهَةِ البُركانِ

غُصْ دُفعةً واحدةً

كأنَّكَ انتقامُ المساءِ مِنَ الغروبِ

ولا تهتمَّ إنْ صدَّقَتِ الحديقةُ

أم لم تُصدِّقْ

أنَّ ذاكرتَكَ مَخزنُ العطّارِ الأمينِ على روائحِها..

أنَّ مسامَكَ أعشاشُ فراشاتِها

التي لنْ تحُطَّ رحالَها أبداً..

وأنَّكَ وَالمطرُ على قرابةٍ دمويّةٍ:

مَنابِعُ دُموعِكَ ذاتُها مَنابِعُهُ

مظلَّتُكَ ذاتُها دندنةُ هُطولِهِ

وما نسِيَهُ صديقُكَ من زخّاتٍ في جيْبِ معطفِهِ

مصيدةٌ تُعوِّلُ عليها الاستعارةُ كثيراً..!!

 

… تابِعْ حياتَكَ

كما لَوْ أنَّ ما حدَثَ

لم يحدُثْ،

أو كما لَوْ أنَّ الأحداثَ

لا تتكرَّرُ بتوقيعٍ مُختلِفٍ في كُلِّ خُطوةٍ.

تابِعِ المُمكِنَ من بَهائِكَ

ما دُمْتَ تعلو فوقَ تلكَ الصَّخرةِ

كأنَّكَ بِنيةُ القلَقِ الفوقيّةُ

مُحاوِلاً بلا هوادةٍ إقناعَ البحرِ

أنَّ المَنارَةَ إشارةُ استفهامِكَ بدايةَ كُلِّ نهارٍ..

أنَّ الأمواجَ تُقَطِّعُ قالبَ الحلوى الأزرقَ

بينَكَ وبينَ سبّاحِ الأُفُقِ..

وأنَّكَ نادَمْتَ البحّارَةَ

يومَ فاضَ النَّبيذُ بدُموعِ عشيقاتِهِم المُنتظِراتِ على الشّاطئِ..!!

 

أنتَ مَركبةُ الطَّلْعِ الذَّهبيّةُ

أو حوافُّ المُستحضَرِ الورديِّ في الرَّحيقْ

حدِّقْ طويلاً بالجَمالِ

وضَعْهُ قُبَّعةً على رأسِ الجهاتِ

إلى أنْ يُصدِّقَ اللهُ

أنَّكَ تبرَّعْتَ بكتابِكَ المُقدَّسِ

لتجارِبِ النَّوارِسِ والمارقينَ..

أنَّ روحَكَ مُؤتمَنَةٌ على شيطانِ الشّكِّ

وأنَّ الأسئلةَ المَوهوبةَ لكَ

ستُصانُ، وإنْ لَمْ تلتحِقْ بها أجوبةٌ..!!

 

أيُّها المُتفحِّصُ الأعرَجُ للفنونِ

يا بهلوانَ الرَّمزِ المُهدَّدِ بالمعنى

لنْ يُصدِّقَ الموتُ

أنَّ الموتى ما زالوا يحضرونَ كُلَّ اجتماعٍ

عَنِ السَّعادةِ والخوفِ والحنينِ

فالمَقابِرُ قُبَّراتُ البدايةِ

وكُلَّما احتُضِرَتِ المَسافاتُ

تجدَّدَتْ نشوةُ الكشفِ

فلا تحملْ كُرسيَّكَ معكَ

أنتَ بما استطالَ من روحِكَ

مقعدُ التَّوتُّرِ الوثيرُ

أنتَ دليلُ التّاريخِ كي يُصدِّقَ

أنَّكَ تفكُّ لكنةَ مَجاهلِهِ من دونِ قواعدَ..

أنَّ نداءَهُ البديعَ

يطردُ الكوليسترولَ من شرايينِ التَّطابُقِ..

وأنَّهُ إنْ زارَكَ ذاتَ يومٍ

تتركُ لهُ سريرَكَ

وتنامُ على أريكةِ الصّالون..!!

 

… خلِّصْ إطلالتَكَ منكَ

فجِّرِ اللُّغةَ في حركةِ الهِجرةِ المَحمومةِ

وعندَها..

لنْ تتردَّدَ الحُرِّيّةُ طويلاً

قبلَ أنْ تُصدِّقَ

أنَّكَ جسرُ الكَمانِ الواصلِ

بينَ المَواكِبِ والكَواكِبِ

أنَّ لسُترَتِكَ أجنحةٌ

تُخَلْخِلُ باطِنَ كُلِّ عاصفةٍ..

وأنَّكَ مهما كنتَ مَشغولاً

ستُساعِدُها إذا علِقَتْ عجَلاتُها

في مَطَبٍّ وسَطَ الزّحامِ..!!

 

تأنَّقْ كأنَّكَ ينابيعُ الزّفافِ

ستُوصِلُ الرِّسالةَ إلى بيتِ الرَّمادِ المُطْلَقِ

وستُحَدِّقُ حتماً بما بعدَ الجَمالِ

لنْ يأخُذَكَ العطرُ إلى الذُّرى

إلّا بهُوِيّةِ الغواياتِ والمَهَارَةِ

وستُصدِّقُ ذاتَكَ المَفصومةَ

أو سيُصدِّقُ الشِّعْرُ أنَّ آخَرَكَ

سيبتكِرُ مشطاً مَجازيّاً

يُسَرِّحُ به شَعْرَ الوجودِ..

أنَّهُ سيحمي كُلَّ صورةٍ شِعريّةٍ

من فنادِقِ البلاغةِ ذاتِ الخمسِ نُجوم..

وأنَّكَ الحارِسُ المَشَاعِيُّ

ما زلتَ تُحَمِّسُ بالمُنزاحِ والمُوحي

حصانَ المُراوَغة..!!

يا لوهجِكَ الجدَليِّ المُورِقِ..!!

أقصى زواياكَ القُبَلُ

والقريبُ من يديكَ

يستديرُ كالشّمسِ، ويتلاشى..

حدِّقْ بالجَمالِ

وأَفْرِجْ عَنِ النَّوافذِ

ولا تُنَظِّرْ على الرِّيحِ أبداً

خُذْها من ذراعيْها

وأسكِنْها كنَجْدَةٍ

تحتَ عباءاتِ المُغايَرَة

عندَها سيُصدِّقُ الكونُ

أنَّكَ أمضيْتَ عُمْرَكَ تبحَثُ عنهُ

بينَ النُّصوصِ والحاناتِ والحَماقاتِ..

أنَّكَ تقتفي آثارَهُ حتَّى في فزّاعةِ الحقلِ

وإنْ كُنْتَ أنتَ ذاتكَ عصفورٌ..

وأنَّكَ ستستلقي قريباً على ظَهْرِكَ المَغدورِ

سترفَعُ قدَميْكَ كدَعامَتيْنِ لأعلى

وتسندُ بهما السَّماءَ المُتعَبةَ

واشِماً على أوَّلِ منطادٍ صاعِدٍ نحوَها:

] الجَمالُ –هُنا- ساهٍ

والغيمةُ كُلَّما تثاءَبَتْ

خَرَجَ من فمِها موعدُ غرام[.

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*