منذ موتين، وقيامة .. شعر : تقى المرسي– دمياط – مصر

11146560_10204427854679668_5234897624896369646_n

تقى المرسي

1533933_10201305056411663_656332888_n-1

منذ موتيْن، وقيامةٍ ..

دفنتُ قلبي في جذعِ شجرةٍ عاريةٍ إلاّ من الدّمعِ،

وكلّما مررتُ بها .. ألقيتُ وَجَعَيْن، ووردةً 

الشّجرةُ التي جرّحَها الوردُ؛

صارتْ قفصاً .. للعصافير ..

العصافيرِ التي طالما التقطتْ من قلبي ..

  الحُبَّ ..  والحَبَّ.. 

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر :

 

يمكن اعتبار الموت الذي جاء ذكره  منذ البيت الأوّل في صيغة المثنّى  شبكةً دلاليّةً رئيسة تشتمل على هذه القائمة من الألفاظ بما تنطوي عليه من دلالات حافّة ، مثيرة للحزن والغمّ : “دفنتُ” ،”عارية” ( عراء الشّجرة في مقابل كثافة أوراقها )  ، “الدّمع”، “وجعين”، “جرّحها” . وهذا الموت الذي هو ،في الوقت نفسه، موتُ الذّات المتكلّمة والشّجرة هو ، بكل وضوح ، روحيّ بالنّسبة إلى الأولى ،  أوّلا : لأنّها تتحدّث عنه بعد مفارقتها للحياة ، ثانيا لكونه أصاب القلب ، مستودع حياة الإنسان الباطنية،  تخصيصا (دفنتُ قلبي) . وهو كذلك للشّجرة و إن كان  على سبيل الرّمز  ، إذ الشجرة العارية  كونيّا علامة على الجفاف الرّوحيّ . ثمّ إنّ تحوّلها إلى قفص  هو ضرب من الاستمرار في  السّلب ، ما دامت للقفص  الدّلالة نفسها التي للسّجن . ومن جهة أخرى  فإنّ وجودَ الإنسانِ نفسَهَ في الحلم ، حقيقيّا كان أو حلمَ يقظة ، إزاء شجرة وحيدة غالبا ما يكون انعكاسا لذاته فيها . وهو ما قد يدّل على أنّ الشّاعرة  هنا هي الشّجرة و أنّ الشّجرة هي الشّاعرة. وهكذا حين كانت الاثنتان  على قيد الحياة ، كانت الشّاعرة مصدرا للغذاء الرّوحيّ والحبّ وكانت الشّجرة فضاء للحرّيّة ، تلك  القيم والأحاسيس النّبيلة التي  جفّت ينابيعها وخبا بريقها بعد موتهما أو على الأصحّ بعد موتهما الرّوحيّ .

أسلوبيّا يمكن القول إنّ  صاحبة هذه الأبيات قد رسمت لنا بوساطة هذه الاستعارة التّمثيليّة المركّبة الجيّدة الحبك  صورة قاتمة مؤثّرة  للحالة النّفسيّة المنهارة  التي أضحى عليها الشّاعر العربيّ  بوجه عامّ في هذه المرحلة العسيرة الدّقيقة  من تاريخ أمّته . 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*