قصيدتان جديدتان لريتا الحكيم – اللاّذقيّة – سورية

ريتا الحكيم


فراغاتٌ

 

الأسئلةُ فراغاتٌ غائرةُ العينينِ

والإجاباتُ عصيّةٌ على فهمِ الدّموعِ 

كمْ هو صعبٌ أنْ أبقى طفلةً بعدَ أنْ أدليتُ بدلوي في الحياةِ كأمّ

غدوتُ جدةً وما زلتُ تلكَ الطّفلةَ الشّقيةَ

بعدَ كلّ إخفاقٍ يلوحُ في الأفقِ 

أرفعُ الغطاءَ عن قِدْرِ الحياةِ الباردةِ، وأتذوّقُ بطرَفِ إصبَعي يُتْمَ اللّحظاتِ الهاربةِ

الأنفاسُ اللاهثةُ ألحانٌ فاشلةٌ، تُحاكي في نشازِها وحدَتي وسطَ كلّ هذا الضّجيجِ

يا أيّتها الرّيحُ الآيِلةُ إلى الرّحيلِ

لا تُصدّقي السّكونَ الذي يعقبكِ

ولا تلكَ الضّحكةَ التي ترتسمُ على وجهِ فزّاعةٍ، أيقنتْ ذاتَ حُلُمٍ أنّها أميرةُ الحُقولِ

وأنتَ أيّها الفرحُ الأسيرُ في رُدهاتِ الزّمنِ

لا تُصدّقْ

ابتسامةَ امرأةٍ خرجتْ للتّوِ مِنَ المطبخِ 

لأنّها لا تتقنُ شيئاً آخَرَ يملأُ فراغَها

لا تُصدّقْ 

امرأةً تكتبُ عنِ الحُبّ على وسادةِ اللّيلِ 

لأنّها عاشقةٌ

بل صدّقْ أنّ الحزنَ رفيقٌ لكلّ منهما

يُخفيانِهِ في أثوابٍهما الضيّقةِ

وفي كعوب أحذيتهِما العاليةِ

فكيفَ تسألُني بعدَ كلّ هذا، لماذا خريفُنا طويلٌ

 


الموتُ الأنيقُ

 

حينَ يرنُّ الجوّالُ ولا أُعيرهُ انتباهاً

تبدو ليَ القهوةُ وكأنّها تقرأُ على شاشتهِ

اسمَ حبيبةٍ مُشاكسةِ 

فتندلقُ بغنجٍ على حوافّ الفنجانِ

وأنا من غيظي، أمعنُ في لعقِها، لأسُدَّ رمقَ غضبي

إنّها كهذهِ البلاد، لا تعترفُ بأسماءِ حُزني السّبعةِ

تُلقي بها على عاتقِ صَحْوي

عندَ كلِّ شروقٍ

الفنجانُ فارغٌ الآنَ، وأنا مُمتلئٌ بأرَقِ البداياتِ

كيفَ سأقنعُ الطاولةَ العرجاءَ

أنّني أشتهي النّهاياتِ 

لأنّني فاشلٌ في الحُبّ والحربِ

ولأنّ الفراغَ يُقيمُ عزائي في خيمةِ الامتلاءِ

بعدَ قليلٍ سأغادرُ الحياةَ

كما لو أنّني أغادرُ هذا المقهى 

وفي جعبتي بقايا من كلّ شيءٍ 

الكفنُ لنْ يتّسعَ لنا

القبرُ لن يتّسعَ إلا لجسدٍ واحدٍ

وأنا أحملُ وطناً

سيظلُّ المقهى فاتحاً ذراعيهِ

والطّاولةُ العرجاءُ ستنتظرُ مجيءَ الفاشلينَ كعادتِها

سيُدخّنونَ خيبتَهم 

وينفثونَها في وجهِ حياةٍ اتّهِموا باقترافِها

ذاتَ مَعصيةٍ

سيحفرونَ عليها أسماءَ حبيباتِهم المُشاكساتِ

ومُدُنِهم الغائبةِ عنِ الوعيِ

سيَتلو كلُّ واحدٍ منهم سيرتَهُ الذّاتيّةَ على مسامعِ

الأنفاسِ اللاهثةِ 

منذُ أوّلِ سجنٍ وُلدَ فيهِ وحتّى آخِرِ سجنٍ

سيتركونَ أعقابَ سجائرِهم 

دليلاً على أنّهم كانوا هُنا

والموتُ الأنيقُ سيقفُ لهم بالمرصادِ كحارسٍ 

على بابِ المقهى 

الذي ما زالتْ أبوابُهُ مُشرعةً

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*