لسانُ النّخيلِ :عبد الله سرمد الجميل – العراق

1890636_528456793920143_255598684_o

عبد الله سرمد الجميل – العراق

pepinieres-palmiers-05

 

النّخلةُ الأولى:

أنا فزّاعةُ السّاسةِ العراقيّينَ أتنزَّهُ في كوابيسِهم ،

عمودي الفقريُّ ساقُ شجرةِ الزّقُّومِ ،

وفروةُ رأسي ذئابٌ ساغبةٌ تنهَشُ لحومَ أسرّتِهم ،

ولتكنْ جذوري الضّاربةُ مرايا تعكِسُ أكفانَهم ،

وليكن سعفي المحشوُّ بالشوكِ وسائدَهمْ ،

*

النّخلةُ الثّانيةُ:

أنا جثّةُ الوقتِ المبتورةُ بفأسِ طائفيّتِكم وماضيكم ،

نزفي ليسَ نزفي ،

نزفي خشبٌ يقطُرُ ،

وقامتي تتظاهرُ في ساحةِ الهواءِ بلافتاتِ الخريفِ وانكماشِ التّمرِ،

إنْ مِتُّ فادفنوني عموديّةً ،

فأنا هكذا جثّةٌ في الهواءِ لا جثّةٌ في التّرابِ ،

*

النّخلةُ الثالثةُ:

أنا إسطوانةٌ مخزونةٌ فيها رسالاتُ التّغريدِ ،

حيثُ نقّارُ الخشبِ ساعيِ البريدِ ،

*

النّخلةُ الرّابعةُ:

أنا منارةٌ للعصافيرِ اللاّمرئيّةِ بأثرِ الفنارِ مسترسلاً ،

ورائحةِ الفراشةِ محترقةً وطعمِ التّويجةِ نديّةً ،

أبداً أشِعُّ رغمَ الأفاعي الملفوفةِ حولي ،

أبداً ثماري منوَّرَةٌ رغمَ حارسِ الحقلِ الخائنِ الذي يلقِّحُني بسُمِّ الوطنيّةِ ،

أبداً أمدُّ سعفاتي إلى سفنِ النّازحينَ كحبالِ شوقٍ وأمانٍ ،

وربّما كنْتُ نخلةً حدباءَ فالظلُّ المقوَّسُ أبلغُ في قلبِ الرّاعي ،

*

النّخلةُ الخامسةُ:

مرّةً تحرّرتُ من تربةِ القيظِ ورحْتُ أحملُ لافتةً: نخلةٌ عاطلةٌ عن العملِ ،

طردْتني ضفافُ دجلةَ والفراتِ ،

فقررْتُ أن أزرعَني في قلبِ الأمِّ ،

نخلةٌ تغرِسُ آخرَ جذرٍ لها في قلبِ الأمِّ ،

نخلةٌ تشهقُ بستاناً ،

بستانٌ يرفُلُ بمخلوقاتِ الأوكسجين ،

*

النّخلةُ السّادسةُ:

على شاطئِ العزلةِ ألمحُ نخلةً نازحةً تسعى بحقائبِ الرّملِ كسعي هاجرَ ،

تلوبُ حولَ ماءِ قصائدي ،

فبمَ تفكّرُ هذهِ النخلةُ النازحةُ ؟

*

النّخلةُ السّابعةُ:

الآنَ أُلبِسُ هذهِ النّخلةَ ثوبَ صديقتي التي طُمِرَتْ تحتَ القصفِ ،

الآنَ أتنزّهُ معَ هذهِ النّخلةِ ثمّ أغرِسُها في ماءِ عينيَّ ،

لتكونَ منظاريَ الأخضرَ صوبَ الوطنِ ،

*

النّخلةُ الثّامنةُ:

ريشٌ متفحِّمٌ يحوطُ النّخلةَ ،

ريشٌ متفحِّمٌ كالأمارَةِ الخيرِ ،

*

النّخلةُ التّاسعةُ:

أنا فلّاحٌ بصريٌّ أتسلّقُ نخلةً في سريري ،

كقاربٍ يتسلّقُ شلّالاً بمجذافِ القُبُلاتِ ،

الجلدُ أخضرُ وأصابعي تتكاثرُ باللّمسِ ،

منها الخِنْصِرُ: طيرٌ سيّابيُّ الكرِّ والفرِّ ينقُرُ زجاجَ النّهدِ ،

والبِنْصِرُ: سعدي يوسف مشغولاً بحياكةِ الأخضرِ وَفْقَ مقاساتِ اللّغةِ ،

والوسطى: حجرةٌ دافئةٌ تستريحُ فيها اللغةُ ،

والسّبّابةُ والإبهامُ لفركِ حلمةٍ تستنفرُ ،

وحينَ تصلُ شبكتي قمّةَ السّمكةِ ،

تهمسينَ: لو تقتصدُ فقبلةٌ واحدةٌ تكفي لتحرقَ هذا الجسدَ ،

أهمسُ: ذراعايَ ثوبُكِ ،

فيسقطُ التّمرُ على السّريرِ ،

ما ألذَّ أن نستشفَّ اللؤلؤَ في المحارِ ،

*

النّخلةُ العاشرةُ:

أزرعُ نخلةً في يديَ اليمنى ،

أقترحُ أن تكونَ هذهِ الخطوطُ في باطنِ كفّي سواقيَ للنّخلِ ،

هنا أخلقُ وظيفةً جديدةً لخطوطِ اليدِ فقد مللْنا قراءةَ العرّافةِ ،

إذن يديَ الآنَ بستانٌ تَحُجُّ إليه الطبيعةُ ،

يديَ الآنَ مبارَكَةٌ فليتمسَّحْ بها من يشاءُ ،

يديَ الآنَ بصرةٌ جديدةٌ !

*

النّخلةُ الحاديةَ عشرةَ:

أزرعُ نخلةً أخرى في يدي اليسرى ،

تارةً أسمّيها عكّازاً حينَ يكونُ اتجاهُ الكفِّ إلى الأرضِ ،

وتارةً سلّماً حينَ يكونُ اتجاهُ الكفِّ إلى السّماءِ ،

*

النّخلةُ الثّانيةَ عشرةَ:

تلكَ أقدمُ نخلةٍ معمَّرَةٍ في الأرضِ ،

وما زالتْ تتقدّمُ في العمرِ ،

مع كلِّ زفرةِ آهٍ تصدَحُ منّي ،

*

النّخلةُ الثالثةَ عشرةَ:

مرّةً اختشبْتُ سفينةً للنّازحينَ من نخلةٍ ،

جعلْتُ الهدهدَ رُبّانَها ،

روَّضْتُ أسماكَ القرشِ من بابِ ( صادقْ عدوَّكَ ) ،

وعقدْتُ هدنةً معَ هوجاءِ البحرِ ،

لكنّ الذي خانَ هذهِ المرّةَ هو السّاحلُ الذي كلّما اقتربْنا راحَ يبتعدُ ،

كجزيرةٍ أسطوريّةٍ عذراءَ تأبى أن يعانقَها مكتشفُها ،

ومن كانوا يلوّحونَ لنا على السّاحلِ ذابوا مثلَ شموعٍ في كعكةِ الميلادِ ،

قالَ الهدهدُ: لا تخافوا ولا تحزَنوا ،

فنحنُ نازحونَ إلى بقعةٍ ليسَتْ على هذهِ الأرضِ ،

*

النّخلةُ الرّابعةَ عشرةَ:

عندَ مملكةِ النّملِ تكونُ النّخلةُ ناطحةَ سحابٍ ،

أو جسراً واصلاً بينَ القارّاتِ ،

فالنملُ يحسَبُ ماءَ الصّنبورِ المتجمِّعَ بحيرةً ،

لقد رأيْتُ دبّاً قطبيّاً يحكُّ ظهرَهُ بساقِ النّخلةِ منتشياً ،

وقرداً يقرُصُ أُذُنَ نَمِرٍ ثمّ يتسلّقُ نخلةً فهوَ في مأْمَنٍ ،

ورأيْتُ نَسْراً يجلِسُ القُرْفُصاءَ عندَ قمّةِ النّخلةِ ويقرأُ روايةَ شطِّ العربِ ،

وغزالةً تحتمي من مطرٍ غيرِ متوقَّعٍ بمظلَّةٍ من سعفِ النّخيلِ ،

وأنا الآنَ معَ حوريّةِ بحرٍ ،

 تزعُمُ أنّ نخلةَ بيتي هيَ التي دلَّتْها إليَّ ،

كمنارةِ جسدٍ تدلُّ سفينةَ اللذّةِ ،

*

النّخلةُ الخامسةَ عشرةَ:

سأمدحُ العراقَ في حالةٍ واحدةٍ ،

إذا صارَ تَعْدادُ نخلِهِ مساوياً لتَعْدادِ الرّصاصِ والجثثِ !

*

 

النّخلةُ السّادسةَ عشرةَ:

رقصةُ النّخلةِ ركوعُها حتّى تعبِّئَ السِّلالَ ،

نهارُ النّخلةِ تغلغلُها بينَ جبالِ الغيومِ وقطفُها شمساً ،

ليلُ النّخلةِ مُقْمِرٌ بلونِ جلدِ الضِّفْدِعِ ،

*

النّخلةُ السّابعةَ عشرةَ:

في لعبةِ ( الغُمَيضةِ ) أعدُّ إلى المئةِ ،

وأُمهِلُ أصدقائي وقتاً أطولَ من اللازمِ ليختبئوا ،

لأنّ ما يُغلِقُ عينيَّ ليسَ يديَّ ،

بل جناحا ملاكٍ ممتدّانِ من نخلةٍ ،

وأغرقاني في خيالاتِ الظّلامِ ،

*

النّخلةُ الثّامنةَ عشرةَ:

أتشمّسُ على شبكةٍ مشدودةٍ بينَ نخلتينِ ،

وعلى السّاحلِ تمشي الهُوَيْنا سُلحفاةٌ تخبّئُ نازحينَ تحتَ قوقعتِها ،

*

النّخلةُ التّاسعةَ عشرةَ والنّخلةُ العشرونَ يتعانقانِ ،

يشكّلانِ قوساً رماحُهُ طيورٌ ،

وجنديُّهُ غروبٌ مُزمجِرٌ فوقَ حصانِ البحرِ ،

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*