في الظّلالِ الضّوئيّةْ : شعر : ألينا مارتينز – شاعرة كنديّة من أصل إسبانيّ

1794524_10153788894600328_1357618043_n

ألينا مارتينز – شاعرة كنديّة من أصل إسبانيّ

stock-photo-15146268-relaxed-woman-enjoying-the-nature-in-green-forest
ذكرياتُ طفولتي تناثرتْ
تشتّتتْ ،تبدّدتْ
في الغاباتِ التي جُبتُها
والشِّعابِ التي سلكتُها
والسّواقي التي ماشيْتُها
يا أيتّها المناظرُ البريّةُ التي لم أرَ ما أروعُ منكِ وأكملُ
ولم تُدركْ روحي ألحانًا أشجى من ألحانِكِ وأجملْ

أخفيتُ أسرارَ أسرارِ البشريّةْ
في ظلِّ الدروبٍ المطوّقةِ لخمائلِكِ البهيّةْ
حيث تتداخلُ أمامي بداياتي الغراميّةْ
عندما أذكرُ ما ولّى من أيّامي الرّبيعيّةْ

وُلدتْ آمالي الكبرى فوق جبالِكْ
أيّامَ كانتْ تزغردُ بينَ الزّهورِ رياحُكْ
ويُطربني غناءُ القراقفِ التّائهُ في خصيبِ أريافِكْ
لا عجبَ إذا كانت السِّنونَ تجري أكثرَ من أحلامي الورديّةْ
فها هي مجدّدًا تضربُ لي موعدّا مع الخمائلِ النّديّةْ
علّ السّعادةَ العظمى التي بها أحلمُ تأتي إليَّ
يومَ ألامسُ في الظّلالِ الضّوئيّةْ
روحَ الطّفلةِ الرّائعةِ التي فيَّ

تعليق محمّد صالح بن عمر:

تعود صاحبة هذه القصيدة داخل ذاتها على جناح الذّكرى وعلى طريقة الروائي الفرنسيّ مرسال بروست في روايته الموسومة بفي البحث عن الزمن الضّائع إلى طفولتها  .وهذا، في الحقيقة، ضرب من ضروب أحلام اليقظة قد يكشف فحصه عن بعض مكوّنات بنيتها النّفسيّة التي منها تتألّف  شخصيتها ،بالنّظر إلى أنّ الطّفل ، على حد قول الشّاعر الإجليزيّ وورد وورث ( William Wordsworth) (1770 – 1850)،هو أبو الكهل .
يجري الحدث المستدعى هنا في قلب الطّبيعة داخل غابة أي في موضع يرمز نمطيا إلى أحد عوالم الأنوثة ، بالنظر إلى أنّ الغابة في لاوعي الكائن البشريّ الجماعيّ هي أحد رموز الأمّ الأولى .ولمّا كانت الشّاعرة هي نفسها امرأة فالجولة التي تقوم بها قد تدلّ على رحلة داخليّة تبحث بمقتضاها عن ذاتها أي عن أنوثتها .وإذا صحّ ذلك أمكن لنا أن نتبيّن   من حضور المسالك (الشِّعابِ التي سلكتُها – الدروبٍ )في أثناء هذا التنقّل  تطوّرا روحيّا إيجابيّا في سبيل البحث عن السعادة والتّوازن النفسيّ. وهو ما قد لا يثبته فحسب ورودُ  لفظ ” السّعادة” في مقام كهذا بالذّات ضمن الأبيات الأخيرة (علّ السّعادةَ العظمى التي بها أحلمُ تأتي إليَّ / يومَ ألامسُ في الظّلالِ الضّوئيّةْ / روحَ الطّفلةِ الرّائعةِ التي فيَّ ) وإنّما أيضا لحظاتُ الإحساس بالنّشوة والاندهاش  في هذا المكان سواء في الحاضر أو في عهد الطفولة (يا أيتّها المناظرُ البريّةُ التي لم أرَ ما أروعُ منكِ وأكملُ/ولم تُدركْ روحي ألحانًا أشجى من ألحانِكِ وأجملْ – وُلدتْ آمالي الكبرى فوق جبالِكْ/ أيّامَ كانتْ تزغردُ بينَ الزّهورِ رياحُكْ/ ويُطربني غناءُ القراقفِ التّائهُ في خصيبِ أريافِكْ ).
لكنْ إذا كانت كلّ هذه العلامات متضافرة تؤكّد أنّ طفولة المتلفّظة كانت هادئة ومتوازنة فإن بعض القرّاء يمكن أن يتساءلوا عن السّبب الذي جعلها وهي في سنّ الكهولة تحسّ بالحاجة إلى تذكرّها في هذا المقام المنعش والى تخيّل اللّحظات السّعيدة التي عاشتها فيها . فهل طرأت اضطرابات مّا حين بلغت تلك السّنّ دفعتها إلى الهروب من حاضرها على سبيل التّعويض نحو ماضيها المشرق؟
أسلوبيّا قد أضفت النّبرة الغنائيّة العالية والاستعمال المكثّف لمعجم الطّبيعة على القصيدة مسحة رومنسيّة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*