عام سعيد 2016 بين الصّوتِ والصّدى: شعر: نويسلا بيونق – شاعر كامرونيّ – دوالا

11026092_10202672908824137_1096103223780156114_n

نويسلا بيونق – شاعر كامرونيّ – دوالا

500_F_98408692_w467PLJ4fm0UGpyywbHFSEmNrYMRrTae

 

أما زالَ ثمّةَ من هو أشدُّ فطنةً ليحرسَ المعبدَ
أفضلَ من هذا السّادنِ المُتفقِّهِ ؟

فالحبلُ موتورٌ جدُّ موتورٍ
الشّططُ في التّرفيهِ يقلبُ الاستقطابَ
الكابوسُ حلمٌ يجثِمُ علينا ونحن يَقِظونَ
والمواثيقُ تحملُنا دونَ أن نشعرَ إلى الجنّاتِ الجوفيّةِ

الكماليّاتُ تلوحُ هي الضّروريّاتُ
هذا من مظاهرِ الانزلاقِ في هذا العصرِ
مع أنّ ذَهَبَ النَّجاسةِ لا يعادلُ نُحاسَ السّمواتِ
لذلك اخترتُ خطّتي الاهتزازيّةَ

ليس الفنُّ الخطابيُّ التبسّطَ في الكلامِ حينَ لا يكونُ عندَكَ ما تقولُ
أعلينا أن نضحكَ أم أن نبكيَ حينَ يحُلُّ عامٌ جديدٌ؟
لقد عاينْتُ بكلِّ تروٍّ انصرافَ عامٍ وقدومَ آخرَ
فلم أرَ شيئا تغيرَّ في المدوَّنٍ

الحبلُ موتورٌ إلى حدِّ أن جاءَنا العامُ الجديدُ غاثِيًا
هذا العيشُ البطيءُ في الفجرِ المهزومِ يُنذرُ بشكوكٍ جمّةٍ تجتاحُنا تحتَ الحواجزِ
ألمْ أفعلْ ما فعلَهُ كلُّ النّاسِ ؟ :
أكلتُ وشربتُ ورقصتُ …

لِيهبْنا هذا العامُ وحدتَنا الفكريَّةَ
وليخوِّلْ لنا تقاسُمَ السّعادةِ والنّجاحَ التّامَ في أعمالِنا المشتركةِ
فما بالُنا بالصّحةِ والسّلامِ
دون أن نتساءَلَ إن كنّا الصّوتَ أو الصّدَى

أ عليَّ أن أتوقّفَ بعدَ أن قطعتُ كلَّ هذا الشّوطِ
وأن أتخلّى عن قولِ الشّعرِ؟
كلاَّ سأنقذِفُ من تيّارِ الحقارةِ الذي تحقِنُهُ اللاّمبالاةُ
وأصنعُ من جديدٍ السّيفَ الذي يفصلُ بين الطّبائعِ المتضادّةِ

فلمّا كان الشّاعرُ يحسِمُ في البِدعِ والخِداعِ
ولمّا كان هو العون الفاعلَ في الحياةِ الحقيقيّةِ
وزؤانَ التّرفيهِ الضارِّ
فإذا طُرحتِ الفضائلُ كان هو موضعَ الانحرافِ الذي يسودُ فيه النّجاسةُ

الكماليّاتُ تلوحُ هي الضّروريّاتُ
لذلك حينَ تَقْلِبُ كثرةُ التّرفيهِ القاتلِ الاستقطابَ
يستحيلُ الجمعُ بين المفيدِ واللّطيفِ السّائغِ
وتتلطّخُ المعاني في الصّميمِ

فما الفائدةُ من اللّعبِ بالكلماتِ
في زمنٍ لم يعدِ العيشُ لعبةً البتّةَ ؟

تعليق محمّد صالح بن عمر:

بُنيت هذه القصيدة الطّويلة نسبيّا عن العام الجديد 2016 على ثنائيّة رئيسة هي : الوجه/والقفا، يشمل عنصرها الأوّل المظاهر الاحتفائيّة الاعتياديّة المرتبطة بهذا الحدث الذي يُحتفل به  إمّا في البيت وإمّا خارجه والذي تُتبادل فيه التّهاني والأماني ويُتوَّج عند منتصف الليل بتفجير الشّماريخ وإطلاق صرخات الفرح (ألمْ أفعلْ ما فعلَهُ كلُّ النّاسِ ؟ : /أكلتُ وشربتُ ورقصتُ … – لِيهبْنا هذا العامُ وحدتَنا الفكريَّةَ/ وليخوِّلْ لنا تقاسُمَ السّعادةِ والنّجاحَ التّامَ في أعمالِنا المشتركةِ/ فما بالُنا بالصّحةِ والسّلامِ ).
ولكنّ هذا الوجه الذي هو في الظّاهر مشرقٌ يحجب حقيقة أليمة : فالعام الذي انقضى كان كارثيّا على كلّ الأصعدة ( حروب حاصدة للأرواح – عمليّات إرهابيّة – الشركات المتعدّدة الجنسيّات واصلت امتصاصها لدماء شعوب القسم الجنوبيّ من الكرة الأرضيّة – الشّعوب الفقيرة تزداد غرقا في الدّيون ويوشك اقتصادها على الإفلاس…).وهو ما يجعل من هذا الاحتفال مجرّد فرصة سنويّة لبذر الآمال الوهميّة .
وبفضل ما يمتلكه الشّاعر من نظر سياسيّ ثاقب ووعي عميق بمراهنات العولمة لم يكتف بالتفرّس في الوجه الخفيّ للاحتفال برأس السّنة بل طفق منذ البداية يبرز التّناقض الصارخ بين المعيش والمأمول، مرتقيا في مقاربته إلى مستوى وجوديّ مأسويّ وواضعا في موضع تساؤل وعي الإنسان اليوم بمنزلته  إزاء قوى الشّرّ التي تهدّد وجوده.
من النّاحية الأسلوبيّة لم تقع هذه القصيدة في الخطاب المباشر على الرغم من صلة موضوعها الوثيقة بالواقع بل ظلّت من بدايتها إلى نهايتها زاخرة بالعدول والمعاني الثّواني.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*