قراءة في مجموعة “ولله أفكار أخرى” لـلشّاعر العراقيّ عبّاس ثائر…أفق تصادم مع الإلوهيّة الآدميّة العرجاء : بقلم: أحمد الشّيخاوي- ناقد من المغرب

عبّاس ثائر

بداية نتّفق على أنّ تفشي نصوص المجموعة، في فضاء يحاول خلخلة العقدي، إنّما هو ضرب من تجريبية تعبيرية واجتهاد نوعي، يطعن في واقع استنزاف العالم والكائناسم الإيديولوجية والدين، على نحو هستيري مؤذن بالمزيد من الدمار واغتيال مشاتل الحنفية والتوازنات الكونية.
بذلك نقف أمام فصول هذه المجموعة ،لنعايش طعنات الشعر،يروي نزيف إنسانيتنا، بما يندغم وطقوس برزخية وجع طافح ومختمر، لسنا نمتلك سوى تسويقه أو تصديره وطبع محطات العالم به، دفقا فوّارا،مثلما ترتّله أبجديات تخبّط الحرف في دمه المستعار من دم الكائن وجحيمية راهنه.
منجز يفسح قدر الإمكان لأفكار الله الحقيقية الأخرى، كي تترعرع وتنمو ،ضدّا في نفعيتنا العقدية التي لوثت شتى مناحي الحياة السياسية والمجتمعية، وأغرقت في فوبيا المتاجرة بأحلام كما أوجاع النوع،خارج النص والجغرافية واللسان.
أي أنه تمجيد لخراب عابر لكونيتنا، يستشري بسرعة الضوء ،مختزلا بنا المسافة إلى قيامة عالمية كبرى.
بحيث يكفر عباس ثائر،بولادة لا تكون على ذمة الشعر، هذا الوهم الذي ليس من شأوه تصحيح أخطاء رحنا نمسحها ،عنوة ،في التاريخ،بغية رسم ملامح تشاركية وتكاملية تليق بزلال السلالة ،وتنصف سائر الألوان المعجونة منها طينة الأجناس على تعدد لغاتها وهوياتها وأديانها.
يوقع ،بذلك ولادة، داخل كواليس الموت وتفاقم وثيرته،اعتقادا باشتراطات المنطق في دائرة اللاعقل،ومجاراة لشموس الفلسفي تبعا لدهاليز اللاوعي،كمنجم للوهم بوصفه أبرز معادلات الشعر الذي يصنع بإيلامه إيانا، الحياة الموازية المشتهاة،والتي نرتّب وفقا لمخملية عوالمها صفحات أعمارنا الهاربة.
نقرأ له في موضع ما،من فتح القصيدة على فلسفة المتاهة، نكاية في الخيبة والجرح، نوتته المنفلتة مع زوائد ضريبة فتح السّيقان، استسلاما للذة البكر ،إذ تدشّن قدومنا إلى كوكب سرعان ما سنلطّخه بنزعتنا الشيطانية التدميرية، دندنته المحمولة على روح الانكسار:

صدّقيني،
أن يرى المرء ربا غائبا،
بعينين واسعتين ،أو شامة غراء،
أو حانة هادئة،
لقاء ممتنع لا يتعب الكفّين بالقنوت..
حيبتي، كان عليك أن تفقهي
ما يراه المنطق وتلوكه الفلسفة؛
لتعرفي،
أن ما تضمره الأيام تفضحه التجربة” (1)

بعدها ،نسلّم بتفاصيل هذا التوحّد المرهق بغزل مرايا لا تعكس وجودنا ،إلاّ بالقسط الذي يمارس علينا ثقافة الجلْد، كوننا المعنيين ،مستضعفين وطغاة، بسوط اللعنة، ما دمنا طرفا في لعبة تقاطع الديني والإيديولوجي،نكتفي قاب قوسين من حتفنا، بتجرّع مرارة الرّاهن، مع ثمالة دورنا الفرجوي السلبي، ووظيفتنا كعناصر تحتية مطمورة في أدنى مستويات خمولنا الوجودي.
يفتح شاعرنا قلبه بالتمام، يشرعه على هبوب الموت المشتهى،وإن كان يأنف بذاته عن القرابين التي لا تسهم بخلاص العالم ،قيد أنملة .
يتوسّع بفرادته حدّا يصعق أنانية الخلطة مثلما أنتجتها حماقات تسييس الدين،يهمس شاعرنا الحانق فيخلق تناصا عاريا مع حقيقة مرّة اسمها الموت في غرائبية تجلياته، يقول:
“لن يموتَ سوايَ
لن تثكلَ غير أمي
ربما يموتُ غيري لكنه يشبهني
ربما، لايشبهني
لا عليك،
سيموت أحدنا حتما؛
فالتناصُ في حزن الجنوبياتِ
يشبه كثيرا أحاديثَ القبور” (2).

عقب ذلك يطلّ من برزخيته،كأنما يريد معالجة وتصحيح وصيته، ويكون قد عرّج على عدد من المحطات التي احتقنت بسمّ الجور على الشعر في شخوص سدنته، فيذكر رموزا وينكأ قروحا، قبل أن يخلد روحا ومعنى، في تغريدته المنحازة إلى ألوية من سبقوه بأوهام الشعر وورطته ومطبّاته.
أوصيتُ:
أن اخلق لي تابوتا فاخرا؛
فأحلام الشعراء لا تتعدى أكثر من ذلك
إلا من كان متمرّدا؛
يطلب قبرا يطابق حجم الوجع في قصيدته” (3).
ختاماً، يمكن درج ما طالعنا للشاعر العراقي الجميل عباس ثائر ،في الأيقونة التعبيرية الانقلابية،العاكسة لصدق مرايانا الروحية ،ونحن نستوعب سادية العرض دونما امتلاك جرأة البوح بما يحقق رعافا إبداعيا،على مقاس كهذه جنائزية ومرثاة، عبر تقليب صفحات مجموعة باذخة كالتي بين أيدينا،تدغدغ بانثيالات تمرير أفكار الله الأخرى الماحقة لتخاريف الإلوهية المزعومة وقد جرّت ما جرّت من وبال وانقراض.
هامش:
(1)من نص فلسفة على مذهب الشعر،ص 24.
(2)من نص مات غيري ، لكنه يشبهني،ص60.
(3) حل

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*