التّنفسُ تحتَ الأنقاضِ : شعر : عبد الله سرمد الجميل – شاعر من العراق

عبد الله سرمد الجميل

 

في ( اليوتيوب ) ،                 

أشاهدُ كيفَ أنّ اليابانيّينَ يُروِّضونَ الزلازلَ في مبانيهم ،

بحيثُ هم يرقصونَ مع المباني عندَ حدوثِها ،

واثقينَ بالهندسةِ المعماريّةِ المعاصرةِ في أُسُسِ المباني ،

أشاهدُ هذا وأتذكّرُ الموصليّينَ تحتَ الأنقاضِ ،

تحتَ الأنقاضِ نتنفّسُ ونستمعُ فقط ،

ولا نقدِرُ على أن نحرِّكَ عضلاتِ ألسنتِنا أو عيونِنا ،

كما لو أنّنا لم نُفِقْ بعدُ من تأثيرِ المُخدِّرِ ،

تحتَ الأنقاضِ أستهزئُ ،

أهذا كلُّ ما لديكَ يا جدارُ ؟!       

ريشةٌ على صدري أثقلُ منكَ ،

تحتَ الأنقاضِ أفكِّرُ في غدي ،

سأخلِّصُ الأحجارَ البريئةَ منكَ يا جدارُ ،

وأسوقُها إلى أرحامِها ،   

تحتَ الأنقاضِ قبضتايَ مسدودتانِ كتجويفِ الجبلِ ،

مسدودتانِ مذْ صافحْتُها ،

غاضبٌ من العالَمِينَ ،

سأختزلُ الأوكسجينَ في كرتي المدبَّبَةِ بالشّوكِ ،

وأجعلُهم خلفي يختنقونَ ،

يترصَّدُني طيرٌ ،

ينقضُّ عليَّ ،

فيتفحَّمُ ،          

اطمئِنِّي يا أمّي ،

نِمْتُ في السّاعةِ التّاسعةِ كالعادةِ ،

عدَدْتُ الخِرافَ المُتَخيَّلةَ في السّقفِ ،  

غداً سأستيقظُ في السّاعةِ السّادسةِ ،

وأُزيحُ غطاءَ الحجرِ عن جبهتي ،

لا تقولي: أمواجٌ، قولي: بحرٌ يتجعَّدُ ،

برعونةِ وَعْلٍ أكتبُ وأجُسُّ أصابعي ،

حينَ تنتهي الحربُ سوفَ يأتي سكّانُ الأطرافِ الغرباءُ ،

وفوقَ أنقاضِنا لن تدومَ خِيَمُهم ،

نحنُ مصبوغةٌ بدمائِنا كلُّ الحجارةِ ،

يتدلّى ضوءٌ من خاصرتي ،

تتدلّى خاصرتي من هُوَّةِ البياضِ ،

يخيِّبُ فرحتي الشّمعُ ،

تنهَلُ من رؤيتي النّافذةُ ،

يعدو النّهرُ وراءَ هوائي الذي سرقَ خلطةَ الغرقِ ،

يصعَدُ بيَ الإرهابيّونَ إلى سطحِ العِمارةِ ،

يحتشدُ السِّفْلَةُ مرتقبينَ ارتطامي ،

نظرةٌ أخيرةٌ على المدينةِ ،

جرّبْتُ الطّيرانَ فخانَ الهواءُ ،

إذن لن يخونَ البَلاطُ ،

ما أَنْعَمَ خدَّ الحجارةِ ،

سخَّرْتُ الطّبيعةَ للبحثِ عمَّن أضعْتُ ،

يا جبالُ افتحي عيونَكِ ،

يا غاباتُ شُمِّي الأثرَ ،

يا أنهارُ احفَظي لي ملامحَها ،

هيَ ذي بالشّالِ الأحمرِ تدخلُ الآنَ الحديقةَ ،

وتدخلُ الحديقةُ في أوصافِها ،

إليكِ عبرْتُ أوديةً يَشْرَئِبُّ الغيمُ منها كأنّها مِبْخَرةٌ ،

وسياجاً متماسكاً هوَ دبكةُ عِيدانِ الخشبِ ،

ونافورةً آسِنَةً تَتحالَفُ الأُشُنُ فيها ،

وممرّاً سِرِّيَّاً يُفضي إلى غرفتِكِ ،

وَارَبْتُ بابَها بالحكمةِ ،    

لكنْ تركْتِ مكتوباً: قابلْني فوقَ الجبلِ الأبيضِ ،

أيُّ جبلٍ أبيضَ وكلُّ جبالِنا خضراءُ ؟

ثُمَّ تذكّرْتُ أنَّ الجبالَ تُصبَغُ بالغيمِ ،

وأنَّ الغيمَ يُولَدُ من سيجارةِ امرأةٍ على عَتَبَةِ البيتِ ،

لي مكتَبٌ فوقَ المرتفَعاتِ ،

تقصِدُني فيهِ العنقاءُ طالبةً تبليطَ شارعِ الرّياحِ !

والتلُّ يقصِدُني أَسْيَانَ: لقد وشَمُوني بِعَلَمِهم من حجرٍ رَخْصٍ !  

تقصِدُني الغِزلانُ مُرتابةً: ذاكَ الشلّالُ يلمَعُ ،

هل هوَ نَصْلُ سكِّينٍ ؟!

من نصفِ تُفاحّةٍ وعطشٍ بهيئةِ كوبٍ تُبنى المَمالكُ ،

لا أُشْبِعْتَ أبداً أيُّهذا البياضُ ،

نَمْ فيمن تخلقُكَ نبعاً ،

انحَدِرْ على ساقٍ ،

تحطَّمْ ولا تُلَمْلِمْكَ ،

انعكسْ على أفكارِهم ،

أخِفْهم بما لا تُدركُهُ أنتَ ،

من مشتلي الزّجاجيِّ ترتفعُ زنبقتي السوداءُ ،

ثمّ تطيرُ إلى أن تحجُبَ الشمسَ ،

ينذهلُ النّاسُ من هذا المشهدِ ،

يحضُنُ الأولادُ سيقانَ آبائِهم ،

تطمِرُ الزّوجاتُ رؤوسَهُنَّ في معاطفِ أزواجِهِنَّ ،

والجميعُ يطمِرونَ عيونَهم في أقدامِهم ،

تنتفخُ عروقُ زنبقتي السّوداءِ وتنفجرُ ،

فينامُ الجميعُ محقونينَ بشظايا الرّبيعِ .

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*