الطّائرة المجنونة : محمّد صالح بن عمر

 

بضعةَ أيّام قبل سفري الأخير إلى ألمانيا يوم 23سبتمبر/أيلول 2018 ،أبديتُ هنا اندهاشي لما أتته شركة الخطوط الجوّيّة التّونسيّة من رفع سعر التّذكرة من تونس إلى مدينة فرانكفورت الألمانيّة من 400 دينار سنة 2016 إلى 800 دينار.فاقترح عليّ أحد الأصدقاء أنْ أنظر في السّعر الذي تعرضه شركة لوفتانزا الألمانيّة للسّفر عبر الخطّ نفسه.فتبيّن أنّ هذه الشّركة تعرض سعرا أقلّ ب180 دينارا.
وبعد تجاذب طويل بين فكرة دعم شركتنا الوطنيّة التي هي على حافّة الإفلاس وترغب الحكومة في التّخلّص منها بالتّويت فيها لدولة قطر وأحد مبادئي الرّاسخة .وهو مقاومة غلاء المعيشة ،كانت الغلبة في النّهاية للموقف الثّاني.
حوالي السّاعة الواحدة بعد الزّوال ،كانت الطّائرة تحلّق في الفضاء وكان كلّ المسافرين التّونسيّين منشغلين بالكارثة الطبيعيّة التي حلّت في ذلك اليوم بجهة نابل وخلّفت ضحايا.
بعد أن حلّقت الطائرة فوق الأراضي الإيطاليّة ودخلت الأجواء الألمانيّة أخذت تهتزّ اهتزازا عنيفا في كلّ الاتّجاهات دون أن يفسّر لنا الطّاقم ماذا يحدث.لكنّنا فهمنا أنّ عاصفة هوجاء كانت تهبّ على بلاد الألمان.
وبعد بضع دقائق تعالى بكاء الأطفال والنّساء من كلّ أنحاء الطّائرة.وأخذ عدّة رجال يرتّلون آيات من القرآن بصوت مرتفع .وقد استمرّ ذلك الوضع الرّهيب قرابة النّصف ساعة.ثمّ أعلمنا الطّاقم بأنّنا وصلنا إلى مطار فرانكفورت وبأنّه علينا أن نبقي أحزمتنا مشدودة.لكنْ بعد أن حلّق قائد الطّائرة فوق المسلك الذي كان سينزل فيه ، صعد مجدّدا لأسباب مجهولة إلى الفضاء.فهل وجد فيه طائرة أخرى بسبب التّأخير الذي سجّله؟ أم هل لغياب الرّؤية من جرّاء الأمطار الغزيرة التي كانت تتهاطل على المطار؟
مهما يكن من أمر،وجد المسافرون أنفسهم ،بعد أن ظنّوا أنّ خلاصهم قريب، قد عادوا إلى نقطة الصّفر ولمدّة لا تقلّ عن نصف ساعة آخر.وعند الهبوط لم يصفّق أحد ،خلافا لما جرت به العادة لأنّهم كانوا متيقّنين من أنّهم نجوا من الموت بأعجوبة .
في الطّابور الذي تشكّل أمام شبابيك الشّرطة عبّرت سيّدة تونسيّة عن ابتهاجها بأنّها قامت بهذه الرّحلة على متن شركة لوفتانزا ، قائلة إنّ الفضل في نجاتنا يرجع إلى صلابة الطّائرة الألمانيّة وقدرتها على تحمّل العواصف الهوجاء ومضيفة أنّه لو كانت من طائرات شركة الخطوط الجوّيّة التّونسيّة لسقطت .فلم أتمالك عن الرّدّ عليها بأنّ طائرات شركتنا الوطنيّة لم تتعرّض إلى أيّ حادث منذ تأسيسها سنة 1948.
في اليوم نفسه حين رويت لأصدقائي الألمان ما حدث قالوا لي “لقد نجّاكم الله .فشركة لوفتانزا تعرّضت طائراتها إلى ثلاثة حوادث قاتلة أسفرت عن سقوط عشرات الضّحايا .
في تلك اللّحظة تمنّيت لو كان عندي رقم هاتف تلك السّيدة التّونسيّة .فلو كان عندي لأعدت عليها ما سمعته من أولئك الألمان

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*