أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:13 : قصائد راشيل الشّدياق : 13-4:غضب

راشيل الشّدياق

 

أكانونُ اعصِفْ

ها الصّقيعُ بانَ على جبينِ الدّروب

 ويا رعدُ اقصِفْ

لا تخَلْ ربيعاً طيفَ الغروب

هي خمائلُ الورودِ قد ذبُلتْ

هي شفاهُ الفجرِ قد صمَتَتْ

 فلا الشّوقُ دِينٌ

ولا الدِّينُ عشقٌ

ولا العشقُ زهرٌ يُحيي القلوب

 حضِّرِ الحقائبَ يا زمن

لملمْ من درْجِك ما غفا من حٌلمٍ

واهرُبْ

لا تسل

عن موتِ السّواقي

عن جمرٍ شقيٍّ

لا تسل

عن وحشةِ الطّيرِ

 عن ذبحِ تقيٍّ

هو الحبُّ بات كالكحلِ يُعمي

هي الرّوحُ مطيةٌّ لدهرٍ

 من غير ملحٍ ما ينقضي

اهرُبْ يا زمن

ولا تسلْ

اتركِ المجدَ لمن كان في كَسْرِك بطلْ

 

هذه الشّاعرة المتخصّصة أو تكاد في اللّون العِشقيّ وبوجه خاصّ في الحبّ الأفلاطونيّ ذي الطّابع المشرقيّ الذي يتميّز بالاندماج التّامّ بين العشيقين روحيّا وجسديّا، في هذه الدّنيا الفانية وفي الآخرة ، تطرق ، هذه المرّة ، موضوعا آخر ليس ، في حقيقة الأمر، غريبا عنها تماما – وهي موضوع  – الطّبيعة ، لما دأبت عليه من تناول الغرض العشقيّ  في إطار رومنسيّ . على أنّ موضوع هذه القصيدة بالذات يلوح  وليد اللّحظة الحاضرة ، لكون خطاب الشّاعرة موجّها فيه إلى الشهر الجاري : كانون الأوّل / ديسمبر  ، كما أن اختياره كان ، في ما يبدو ، تلقائيّا،لما يثيره هذا الشّهر  طبيعيّا في النّفوس المفرطة الحساسيّة ، لا سيّما نفوس الشّعراء ، من أحاسيس مخصوصة .فالمتكلّمة تمضي ،  منذ البداية،  في صبّ جام غضبها على هذه الفترة من السّنة ،  الواقعة في الحدّ الفاصل بين الخريف والشّتاء التي تفقد فيها الطّبيعة حيويّتها وتجد نفسها عارية ، تعاني  أوْصَاب الفقر والوهن (        خمائلُ الورود قد ذبُلت  – شفاه الفجر قد صمتَتْ –  موت السّواقي – جمرٍ شقيّ – وحشة الطّير) . لكنّها ، بعد أن أطلقـ حمم غضبها على ذلك الإطار الزّمنيّ الضّيق بعينه : شهر كانون الأوّل / ديسمبر، انفجرت في وجه مصدره الأمّ : الزّمن بمفهومه المطلق  ، منتقلة ،بذلك ، من النّبرة الرّومنسية العاديّة  إلى نبرة وجودية كونيّة ومهيّئة لنفسها  ، عندئذ، المقام الملائم للتّفكير الفلسفيّ في أحوال النّفس  البشريّة المتقلّبة ومنزلتها في الكون  (   فلا الشّوق دِين – ولا الدِّين عشق – ولا العشقُ زهرٌ يُحيي القلوب – الرّوح مطيّةٌ لدهرٍ من غير ملحٍ ما ينقضي). أمّا أسلوبيّا فقد استطاعت الشّاعرة ،بفضل ما تتمتّع به من حساسية جماليّة مرهفة : أن تصوغ لنا سلسلة من الصّور الرّائقة توحي بمزيج من الكآبة والغضب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*