أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:11 : قصائد رنا سفكوني: 11- 1: ثَقَبْنَ المَزامِيرَ

رنا سفكوني

 

  ثَقَبْنَ المَزامِيرَ

بزَفِيرِ صُدُورِهِن

خَلفَ الغَائِبين..!

النِّساءُ اللّواتي

عَلّمْنَ الرّيحَ

كيفَ يصيرُ الصَفيرُ

أُغنِيةً

(رنا سفكوني  ، شاعرة سوريّة  )

 

لقد كان تعريف الفنّ في الماضي يثير جدلا لا ينتهي قبل أن تنكبّ عليه ، في السّنين الأخيرة ،العلوم العرفانيّة والعصبيّة التي أثبتت أنّ امتلاك القدرة على الإبداع الفنّيّ  مرتهن بتوفّر مواهبَ وأنّ هذه المواهب ولاديّة فلا تكتسب أبدا بالتّجربة أو التّمرّن أو المعرفة النّظريّة ، على الرّغم من أنّ هذه المعطيات الخارجيّة يمكن أن تصقل المواهب وتنمّيها  في حال وجودها.والعلامة الثّابتة على امتلاك شخص مّا موهبة فنّيّة هي النّشوء  التّلقائيّ  على نحو متكرّر للأفكار الجديدة تماما في ذهنه . وهو ما يجعلها مفاجئة ومدهشة للمتلقّي بما تنطوي عليه من أثر جماليّ باهر. وهذه الأفكار يتّخذها الفنّان  إمّا نوًى مركزّية لأعماله الإبداعيّة وإمّا عناصر يدخلها في تركيب لُحْمتها وسَداها .ولعلّ الأبيات التي اخترناها لكم اليوم تقدّم مثالا حيّا  لما صغناه الآن نظريّا .فلتصوير فداحة المأساة السّوريّة والآلام البشريّة التي تسبّبت فيها لم تحتج الشّاعرة إلاّ إلى صورة مفردة لكن غير مألوفة ولا منتظرة ، زيادة على  ما  تنطوي عليه من قوّة  تعبيريّة عالية  وطاقة عاطفيّة إنسانيّة عارمة (ثَقَبْنَ المَزامِيرَ بزَفِيرِ صُدُورِهِن خَلفَ الغَائِبين..! ) .  على أنّ مصدر الإدهاش لا ينحصر في هذه الصّورة وحدها .بل  أتبعتها الشّاعرة مباشرة بصورة ثانية جعلت بصيصا من الأمل ينبثق من  حالة الحِداد التي تنوء بكلكلها على هؤلاء  النّسوة – وقد فقدنا بعولتهنّ أو أبناءهن- (النِّساءُ اللّواتي عَلّمْنَ الرّيحَ كيفَ يصيرُ الصَفيرُأُغنِيةً ) .وهو  أمل في عودة الوطن  إلى سالف وحدته ومناعته بفضل التّضحيات الجسيمة  التي قدمّها شهداؤه الأشاوس . وهكذا فقليل من اللّفظ إذا كان موحيا يمكنه أن يغني عن المطوّلات .

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*