الخُلدُ انْهِيارٌ للأقْبِيةِ : عبد اللّطيف رعري – شاعر مغربيّ مقيم بمونتبولي بفرنسا

عبد اللّطيف رعري

 

للْخُلدِ عَرَاءٌ مَجنُونٌ بمَقاسَاتِ الانْتظَارِ…

 انتِظَارِ سَاعَةِ انهِيَارِ الأقْبِيةِ

 علَى ظِلالٍ مَاجِنةٍ تقصِفُ ما حَولهَا بالجَفَاءِ،

 عَالِيةٍ تُصَفِّفُ رُمُوزَ التَّارِيخِ

 بينَ اليَمينِ واليمِينِ….

 بَينَ اليَمينِ واللاّ اليَمينِ

وَلاَ جَدْوَى للأَدْعِيةِ

 وَلاَ مُغَالاةَ فِي الأحْجيّةِ 

وَحَاكِنِي أحَاكِكَ

فكُلُّ الأشْيَاء مِن حَولنَا انفِعَالٌ خَاطِئٌ

ومصادفةُ تعلُقنَا بالوجُودِ فِتنةٌ منطفئةُ الوُجُودِ

والبَعثُ بَابٌ مِنْ أبْوَابِ الخَرفِ

وهَذَا البَونُ بَينَ عَرْضِ الأرْضِ وَطُولِ السَّمَاءِ

مُسْتقَرٌ حَتَّى الرّحِيلِ   

لَهُ مَنْ سَمّاهُ ..

لَهُ مَنْ أعْلاَهُ….

الخُلدَ لِلشُّعرَاءِ وَالأنْبياءِ

الخُلدُ لِلْخُلدِ وَالخُلْدُ للهِ

الظِّلُّ شَبِيهٌ بورْدَة البرَارِي

حين يُغازِلهَا الموْتُ…

حين منع عنْها طَائرٌ أعْورٌ سَماءَ اللهِ

شَبِيهٌ بِورْطةِ العُمرِ حِينَ يُلاحِقُا الغَدرُ.

وزَبانِيةُ القبُورِ تقتاتُ من جَفلِ السِّنينَ

يجتمعُ فيها الخِداعُ والمَكر وَتُهمَةُ العَينِ  

وهي تدَّعِي حُسْنَ المَقامِ

الخُلدُ كُلُ  الخُلدِ في مَدَاهِ.

الخُلدُ امتدَادٌ لِصَوتِ الرّبِ والخَلقُ يتَجَددُ    

الخُلدُ فُرْصَةٌ رَبَّانِيةٌ يلِيهَا التعَدُّدُ

الخُلدُ خَلقٌ ِبفعلِ القَدَاسَةِ والعَبدُ يَتَمرَّدُ ..

الخُلدُ طَلعتُهُ الأوْلَى لِلهِ ……

وطَلعتُه الثَّانِيةُ لِنفسِهِ.

 لهُ منْ سَمَّاهُ، لهُ مَنْ أعْلاَهُ      

تَشتَهيهِ غَاوِيةُ المُقعَدِ المَسجُونِ   

سَاعَةَ تغفو الرُوحُ

مِنْ مَبْدإ الكُمُونِ حَتَّى أبَدِ الكُمُونِ

مِنْ نبْرَةِ الحُزنِ التِّي تَشُدُّ للشَّكِ وِثَاقَ اليقِينِ

لرحبِ المُكَاشَفَةِ المَجَّانِيّةِ لإغماضِ العَينِ،

لِقدَاسةِ اللّونِ الذّي يَغْمرُ هَذَا العَرَاءِ المُبينِ

بينَ نَهْدي مَلاَكٍ أجَّلَ القَدرُ هُدَاهَا

حتّى تصْحُوَ من ثَمَالة التّعبُّد….

وتغْتسِلَ مِنْ عِبءِ الاشْتهَاءِ

الخُلدُ صَفْحٌ حِربائيٌّ يفْصِلُ الكَونَ علَى اللاَّكَوْنِ

غَشُومٌ زمانُه يطْوِي مَا ورَاءهُ

يصمِّمُ تعَارِيجَ الأفْلاكِ بقلْبِ العُيونِ

ينْعَتُ الضّياءَ بالعَتْمِ

ويَستَبيِحُ رشَّ السَّماءِ بالدَّمعِ الحَارِقِ

علَى ظَهْرٍ خَارِقَةٍ تمَطَّى بِحُلمهَا الحُزنُ

تمَطَّى بِحُلمِهَا اللاّحُلْمُ

فتسَلَّلَ لِمَوتِها المَللُ قبلَ خُفُوتِ النُّورِ

 فَصَارَتْ قِرْبَانًا لِلْمَوْجِ

للخُلدِ تمَوَّجَاتٌ هَائِمَةٌ في لَا تَناهِيهِ

ويَدُهُ عَلى رأسِ الأفُقِ  

تُصَفّفُ ضَفائِرَ العِشقِ المَنبُوذِ

وآخِرُ النّوارِسِ يحْملُ أكياسَ الظِّلالِ

مَمشَاهُ علَى حَافة الحُمقِ بِثملِ الفُقهَاءِ

مَسَافةَ جَهلِه لعِصْمةِ الرَّبِ

يَتلُو هُراءَ الأجدَادِ بِكُلِّ الُّلغَاتِ

فِي رِحلةِ اللاّرُجُوعِ….

يَختَزِلُ البَّرَّ والبَحرَ فِي خَزرَةِ بليدَةٍ

كُلّمّا فاضَتْ منْ عُيُونِنا رَهبةُ الخَطْو ِ

نحْو آخرِ السّماءِ …

نحو النّبعِ الأصِيلِ لأصْلِ منْ نكُونُ

 لأصْلِ منْ لَا نكُونُ

 وكُلَّما هامَتْ فِي أعْماقِنا الأسْماءُ

قَبلَ تَحقُقِهَا  

 والأعرَافُ حينَ تَجرُّدِها من يُتْمِ الحَالِ

وحين نُغْصةُ البَالِ عَلى عَتبةٍ فَارِغَةٍ

 وحِينَ يندَملُ الجُرحُ بِكُرْهٍ

وَتغَارُ منْ أحْلامِنا الأطْيافُ

 قُبالةَ شَطٍّ حَزِينٍ

 فَشِئنَاهُ خُلدًا عَاريًا

 وشِئنَا لأنفُسِنَا بَيَارِقَ وأعْلاَمًا هَامِدةً

 الخُلدُ يَركُضُ لِمَوتِنَا ،لِسَفرٍ طَويلٍ  

أهَانَ فِينَا تَلوينَ الشَّمسِ بِالبَيَاضِ

ولِسَعدِنَا المَوشُومِ بآيَاتِ الفَرَجِ

لُقْيئ النّجْمِ الصّاعدِ

لِصُفرَةِ العُبابِ  

للخُلدِ عَمَاءٌ يشْبهُ عمَاءَ النَّهرِ

وَلاَ جَدْوَى للأَدْعِيةِ

 وَلاَ مُغَالاة فِي الأحْجيّةِ

وَحَاكِني أحَاكِكَ

فالاشْيَاءُ كُلُّها مِن حَولنَا انفِعَالٌ خَاطِئٌ

ومصادفةُ تعلُقنَا بالوجُودِ فِتنةٌ منطفئةُ الوُجُودِ

فهذا الخلدُ مُنهَارٌ….

 وهَذه الاقْبيةُ مُنهَارةٌ …

وهُؤلاءِ الشُّعرَاءُ علَى شَعرَةٍ يمْشُونَ خَلفَ الانهِيارِ.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*