هل جئنا متأخّرينَ ؟: حسن أومولود – أكادير – المغرب

حسن أومولود

 

عندما أراد الكاتب الشّهيرلا برويار( La Bruyère ) أن يكتب لأوّل مرّة وضع ورقة وريشة ثمّ فكّر مليّا ، فوجد أنّ جميع المواضيع قد قيلت وأنّ جميع المشاكل البشرية استنفذت وجميع الأفكار نوقشت فلم يجد في جعبته غير هذه الجملة العميقة : ” كلّ شيء قيل وقد جئنا متأخّرين .” ثم بدأ بعدها في وصف وجوه النّاس وتصرّفاتهم في الصّالونات الأدبيّة للقرن السّابع عشر . فأبرع في سخريته وعمق تحليله للشّخصيات الأرسطوقراطيّة ورجال بلاط لويس الرّابع عشر ، حتّى أصبح كتابه الطّبائع      Les caractères الذي يصف فيه بدقّة وعمق وسخرية أمراضا اجتماعيّة مدمّرة كالنّفاق والوصوليّة والأبّهة  والتّعالي والتّمَلّق والصّداقة المزيفة الخ ، اصبح كتابه مرجعا أساسيا لدراسة الأرسطوقراطية الأوربية في القرن السابع عشر وكذا مرجعا أدبيا مهما خلق من خلاله الكاتب جنسا جديدا وهو جنس الطّبائع.
إذا كان هذا الكاتب الشّهير اعترف بأنه جاء متأخرا في القرن السابع عشر فما بالنا نحن في القرن  الواحد والعشرين ؟ هل يجوز لنا القول إنّنا تأخّرنا ؟
وإذا كان  الأمريكيّ الشّهير فرانسيس فوكوياما قد أعلن نهاية التّاريخ منذ تسعينيات القرن الماضي (1992(أنعيش الآن ما بعد التّاريخ أم أعاد التّاريخ نفسه فوضعنا في البداية من جديد ؟
الإحساس بالدّيكالاج سمّاه فلاسفة التّاريخ بالحظّ التّاريخيّ فقد تحدّث عنه مونتييني و سبينوزا وكانط و أشار إليه ديدرو و فولتير الذي قال عن التّاريخ إنّه “كالحمقاء تعيد نفس الشّيء بشكل ميكانيكي” و هيكل يتم ” كتب تاريخنا في بوابّة السماوات”. حتى أن باسكال سمّاه بالحكم الإلهيّ القبليّ أي أنّ كل مخلوق حكم عليه الله بالجنّة أو النّار قبل أن يخلق ! وأنّ شقاوة حياته او سعادتها هي علامة دخوله الجنّة أو النّار. عند فلاسفة القرن العشرين مسألة الحظّ التاريخيّ أعيد طرحها بعد الحرب العالميّة الثانيّة التي قضى فيها أكثر من خمسين مليون شاب جنديّ  في ريعان شبابهم و زهرة حياتهم ! فهل حظّهم سيّء إلى  هذه الدّرجة ؟ ما إن خرجوا من عدميّة الطفولة وجمالها حتّى وجدوا أنفسهم داخل لباس عسكريّ وفي أيديهم  بنادق متطوّرة!
ماذا عن حظّنا التاريخيّ نحن ؟
يبدو أنّ حظّنا ليس في الحرب ولا الجوع و لا الوباء ولكن في الفكر ! في التّيه الفكريّ والفراغ الوجوديّ و الاستنزاف الطاقيّ في البوهيميّة المعرفيّة .  لم نعد نفكّر ولم نعد نتساءل ولم نعد ننتقد وكأن كلّ شيء قد انتهى منذ مدّة . وكأنّ الأقوال قيلت والأفكار استنفذت و الكتابات انتهت والأسئلة أجيب عنها  والإجابات استهلكت …ونحن في العدم نسبح و عقولنا تسير في درب المجهول.
لماذا نحسّ دائما أنّنا لسنا في زماننا ؟ وماذا يعني أن تعيش زمانك ؟ لماذا نحنّ دائما إلى  ماض سحيق أو ننتظر مستقبلا مجهولا فننسى الحاضر وكأننا لا نرضى أن نكون فيه ! هل حظّنا هو العدم أم هل التاريخ انتهى فعلا ؟

2 تعليقان

  1. عبد الله بن آدم

    دمت متألقا أستاذي….

  2. ابراهيم زيان

    الكون هذا الفضاء اللامتناهي من مجراته الى ذراته يسبح و ينساب بشكل دوري.بداية جيل تشكل نهاية جيل سابق،جيل من الايام، من الفصول،من الرواسب، من الكواكب ، من النجوم…الانسان لا يغدو أن يمثل قطيرة في بحر عميق واسع.الاسئلة الفلسفية العميقة التي وفق الاستاذ الفاضل،كعادته ،في طرحها بمثابة منظار يحملق الانسان من خلفه ليرى البعيد و المتناهي في الصغر لعله يجد موقعا ملموسا و أفقا محسوسا،غير بعيد عن كائنات بعضها انقرض و بعضها مهدد بالزوال، و أراضي تطمر و أخرى تستسطح و أفكار،يحسبها تنير…….
    مودتي و تقديري الاستاذ حسن أومولود

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*