قصيدة اليوم(سلسلة جديدة) 3:قصيدةٌ رتيبةٌ: شعر : عبد اللّطيف البحيري – آسفي – المغرب

عبد اللّطيف البحيري

قلبي الذي يا ما تعاورتْهُ الكنوزُ المسمومةُ
الزّهيدةُ القَدْرِ 
وزادتْهُ وهنًا على وهنٍ 
من طلوعِ النّهار السّاطعِ إلى مغيبِ الشّمسِ 
ها هو يسبحُ في عالَمٍ رحبٍ
لكنْ ما أضأَلَهُ 
متشبّثًا بالحياةِ.

من هذا الوهنِ الفاغرِ فاهُ الذي يُغِيرُ عليَّ
أقتلعُ خافتَ التنهّداتِ 
المختلَسةِ ثانيةً من عالَمٍ دنياويٍّ
يشدُّني إلى قاعهِ شدَّ الكُلاّبِ

يعيثُ الخريفُ الرّتيبُ فيَّ ناشرَا ثقلَهُ
وتجهشُ الطّبيعةُ الحيرى بالبكاءِ
وقد أضجرَها تأجيلُ الزّوابعِ الرّعديّةِ المطرَ

هذا الجوُّ الكئيبُ يُحنى ظُهورَ الأنامِ 
ويجعلُ القلوبَ الأشدَّ بسالةً خائرةَ القُوَى
فترتبكُ ربّةُ شعري وتتلعثمُ.

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر:

 

يعدُّ الخريف من أقدم الأغراض وأكثرها تواترا في الأدب العالميّ.وذلك لأهمّية هذا الفصل البالغة في حياة الكائن البشريّ منذ ظهوره على سطح البسيطة.وتتجسّد هذه الأهمّيّة في الجوّ المناخيّ الخاصّ الذي يسود فيه والذي يتّسم بنزعة  عامّة إلى التّجدّد ،سواء في الطّبيعة حيث تصفرّ أوراق النّباتات وتسقط لتنبت مكانها أوراق جديدة أوفي مجال النّشاط البشريّ حيث يخصّص الإنسان هذا الفصل للحراثة والبذر والغراسة .لذلك استقرّ الخريف في العقليّة الجماعيّة علامة إيجابيّة تحمل دلالات التّفاؤل والتّحوّل والتّطلّع إلى غد أفضل.

على أنّ من المفارقات الغريبة  أن يكون موقف الفنّانين والكتّاب والشّعراء من هذا الفصل تقريبا دائما سلبيّا ، إذ غالبا ما يقترن في مخيالهم بالشّيخوخة والبِلى ويردّون الفعلَ على التّغيّرات التي تطرأ فيه بسيول من الأحاسيس القاتمة  كالقلق  والخوف والكآبة والأسى والحنين إلى الماضي ، على نحو  ما نراه في هذه القصيدة التي يرسم فيها صاحبها للمحيط الخارجيّ صورة مثيرة لمنتهى الجزع  . وهو ما قد يفسّر بحساسية  المبدعين المرهفة التي تدفعهم  إلى  نشدان عمق الأشياء ،بعيدا عن رؤى الإنسان العاديّ النّفعيّة .وهذا العمق إنّما هو الحياة نفسها التي تسري في كلّ ما هو متحرّك في الكون وتتلبّس بجواهر الكائنات ، تلك التي لا يدركها إلاّ المبدع. وفي هذا المستوى ، مستوى بنى الوجود العميقة يوجد تناسق أو بعبارة أدقّ توافق تامّ بين الطّبيعة والإنسان يجعل التّغيّر المناخيّ ينعكس آليّا على جهازه الانفعاليّ.لكن إذا كان إحساس الكانن العادي به طفيفا أو منعدما ،لانغماسه في شؤونه اليوميّة فإنّ المبدع يعيشه بكلّ جوارحه.

في المستوى الأسلوبيّ استخدم صاحب هذه القصيدة الذي يتميّز بلغته الفصيحة المعبّرة تقنية  المبالغة على نحو مكثّف لتفخيم الجانب الانفعاليّ ، بغية شدّ انتباه القارئ إلى النّصّ ،مع الحرص في الآن نفسه على صياغة سلسلة من الصّور أكثرها  مبتكر  لتلبية ذوقه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*