نُصوصُ الصّين (الجزء الثّالث ) :شعر: محمّد بوحوش – شاعر تونسيّ – بيكين – الصّين

محمّد بوحوش

1- في سَاحةِ تيانْ آنْ مانْ  ببيكينَ

 حيثُ  النّاسُ  يَجيئونَ ويَروحُونَ أفرادًا وجماعاتٍ،

أناسٌ منْ كلِّ  لونٍ  وجنسٍ،

وَقفتُ يومَ  السَّادسِ  منْ  مايو 2017

في العاشرةِ صَباحًا

وَقفتُ في جفْنِ الضّحَى

 وَسطَ  الحُشودِ ،

ومَشيتُ  وحْدي مُسْتذكِرا ربيعَ تيانْ آنْ مانْ

مَشيتُ، فتعثّرتُ 

تحْتَ  قدَميَّ  وَلوَلتْ

صَرخاتُ طلاّبٍ

دَهستْهمْ الدّباباتُ  هنَا سنة 1989.

 

2- عامِلاتُ النّظافةِ الأنيقاتُ بشَوارعَ  بيكينَ

كالمُمرّضاتِ يرْتدينَ  بَدلاتٍ بيْضاءَ،

ويَكنِسنَ بعنايةِ مَا تركَ البارحةَ المُشاةُ منَ الأمْنياتِ،

 عامِلاتُ النّظافةِ يقِفْنَ في الطّرُقاتِ الفسيحةِ،

 مُبْتسماتٍ ،وهنَّ  يُشاغبنَ الوُرودَ والأزْهارَ المزْروعةَ خلفَ الأرْصفةِ…

لكأنّمَا يَضعْنَ في الحاوِياتِ بقايَا جَمالٍ وأفرَاحٍ.

 

3- لمْ  ينحَنِ لي أحدٌ في حَياتِي

فقطْ ، انحنَى السّيّدُ “زياوْ شانْسهنقْ”  مرّتينِ أمَامي

عِندمَا عرفَ أنّنِي كاتبٌ وشاعِرٌ ،

تقدّمَ نحْوي كجُنديٍّ ، انحنَى ،تَوارَى خُطوةً،

 ثمّ تَقدَّمَ  نحْوي، وانْحنَى ليقولَ السَّلامَ…

وانحنيتُ أنا …

أنا الذي لم ْ ينحَنِ  ظهرهُ رُغمَ عصْفْ الرِّياحِ.

4-  أشْرقَتْ  في وجْهي  الطّالِبةُ “كارُولينُ” 

مَدّتْ لي  يدًا مُطفأةً، ثمّ  قالتْ : نلتقِي

ذاتَ يومٍ ، أجبتُ : سَيحْدثُ “كارولين”.

عبَرتْ بينَنا كِذْبتانِ ثمَّ افترَقنَـا …

هيَ إلى بيتِها في أقاصِي “بيكينَ”

وأنَا  إلى  مطارِ الدّوحةِ أتَهجَّى الطّريقَ إليَّ.

 

5- أدرّبُ نفْسي على أكلاتِ  الصّينِ

وعلى شُربِ الماءِ السّاخنِ دومًا

وتنَاولِ الشّايِ والقهوةِ منْ دونِ سُكّرٍ،

أدرّبُ  نفْسي أيضًا على أكُلِ الأرزِّ بأعْوادٍ منْ لوحٍ،

وشُربِ  الحَميمِ منَ الكُوكَا كُولاَ و البيْبسِي ،

كُوكَا وبيْبسِي منْ صنْعٍ  صينيٍّ في عصْرِ العوْلمةِ وأمِّنَا أمريكَا!.

 

6- وأنَا  أسيرُ في شوارعَ  بيكينَ في مسْلكِ الحَديقةِ العامّةِ

حيثُ الأشجارُ الوارِفةُ الظلِّ  والخُضرةُ والهَواءُ الرّطبُ…

لمْ أسْلمْ منْ شَغبِ الكِلابِ الأليفةِ،

الكلابُ هنا كثيرةٌ أيضًا ، لكنّهَا  كلابٌ مُتحضّرةٌ

لا  تُؤذي السّائِرينَ.

 كِلابٌ تَمدُّ إليكَ أقدامَها، وتُسلّمُ.

 

7-  اليومَ كانتْ سماءُ بيكينَ ثَقيلةَ وأشَدَّ غيمًا وحَرّا،

توقّفتُ عندَ مُنعطفِ الشّارعِ ،نظرْتُ فوقَ أبحثُ عنْ الشّمسِ،

وَكانَ الوقتُ صُبْحًا

أوْ أنّي وقفْتُ أبْحثُ عنْ جِهةِ شُروقِ الشّمسِ

بحثتُ… لكنّي لمْ أتبيَّنْ بعدُ

شمْسَ  بيكينَ الجَديدةَ.

8- لوْحاتُ الأطفالِ  في معْهدِ “يورقْ  كويجينْ”  بمقاطعةِ ” يُونقْسيو”

مَطليّةٌ بالألوانِ الزّاهِيةِ ،

تلكَ  اللّوحاتُ  قلائدُ أملٍ مُعلّقةٌ على الجُدرانِ

يكادُ سَنَا ألوانِهَا يَقولُ: مرْحَى، مرْحى بالحَياةِ،

أوْ هوَ يَهْتفُ بأصْداءِ الإنْسانِ

 الصّينيِّ على هذهِ الأرْضِ مُنذُ عُهودٍ.

9- أحلمُ في غُرفتِي بالطّابقِ الحَادي عشرَ

 بنزلِ الأخوّةِ العالميِّ وَسطَ بيكينَ،

أحلمُ بأنّي أتسلّقُ مَدارِجَ لا تنْتهِي

والغرْفةُ مُكتظّة بي ،

هيَ غرفةٌ أخرَى مَلآى، كقلبِي، بأشعارٍ وأقوَاسِ فرَح.

 

10- في بَعضِ السّاحاتِ يَتجمّعُ شبابُ الصّينِ  بلاَ موْعدٍ

يرْقصونَ رَقصًا  جَماعيًّا  بِحَركاتٍ غريبةٍ ،

الرّقصُ هُنا  أيضًا منْ عادَاتِ  شَبابِ الجِينزِ المُمَزّقِ ،

ليسَ حفلاً، لكنّهُ فرحٌ جمَاعيٌّ بشيءٍ مَا قدْ يأتِي،

شيْءٍ غامِضٍ يشبهُ الحُريّةَ الحمْراءَ.

 

11- ليَ الأسْماءُ والعَلاماتُ ،وليَ الأشياءُ

كيْ أقولَ هذهِ أشْجارٌ بَريّةٌ وهذا الماءُ الفائِضُ بَحرٌ،

وهذهِ سفنٌ وأشْرِعةٌ وألْواحٌ، وهَؤلاءِ بحّارَةٌ

هذا أفقٌ  أزْرقُ، أخضرُ

وهذي بلادٌ  لاَ  تُسيِّجُها حُدودُ.

سأسُمِّي وأشكِّلُ  لوْحَاتِ الحَياةِ،

حَياةِ الصّينِ التي بِطعْمِ الكُوكا كُولاَ

أوْ عَصيرِ الأنانَاسِ،

حَياةٍ  برائِحةِ القهْوةِ بالهِيلِ،

 حياةٍ كَضَوْعِ الياسَمينِ.

أنَا هنَا  في الصّينِ أطلقُ الأسْماءَ على الأشْياءِ،

والأسْمَاءَ الحُسْنَى عليَّ، وأعيدُ  تخْليقَ  الطّبيعَةِ وَالمَعاني.

12- الجِبالُ الشّاهِقةُ المَكْسوّةُ بالخُضرَةِ،

السُّحبُ المنْفرِجةُ كأكْيَاسِ القطنِ المرْميّةِ هنَا وهناكَ،

أحيانًا تترَاءَى أقواسُ قزَحَ بينَ فوالجِ الجِبالِ،

الطّبيعةُ في جَنوبِ الصّينِ تذكِّرُني بمَشاهِدَ لا تُستَعادُ

إلاّ لِمَامًا بجِبالِ “البيرِينِي” وأنَا في طرِيقي 

إلى مُقاطعةِ لانْدورَّا ذاتَ خَريفٍ منَ العامِ 1999.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*