الشّاعرة السّورية ليندا عبد الباقي ل”مشارف”(الجزء الثّاني ) : الشّعرُ الحقيقيُّ تمرّدٌ على اللّغةْ وقولُ ما لم تقلْهُ، ومنطقةُ الخطرِ في الوعيِ ومنطقةُ الشّرارةِ في اللّغةِ واهتزازٌ لخلايا الحروفِ بغية تحقيقِ انبثاقٍ جديدٍ

ليندا عبد الباقي تجسّد الأديبة بالمعنى الكامل لهذه الصفة .فهي أوّلا شاعرة يشتمل رصيدها حتّى الآن على سبع مجاميع .وهي ناشرة تملك دار نشر عتيدة لم يتوقّف نشاطها طيلة سنوات الحرب وتصل منشوراتها إلى أكثر الأقطار العربيّة .وهي ،فضلا عن ذلك، منشّطة ثقافيّة  لها صالون أدبيّ يلتئم دوريّا ويحضره الأدباء والفنّانون من كلّ الاتجاهات ومن كلّ أنحاء سورية .وهي أخيرا رئيسة جمعيّة النّقاء الثّقافيّة  الكائن مقرّها بمدينة السّويداء وكان آخر إنجازاتها تنظيمها منذ بضعة  أيّام تظاهرة أدبيّة وفنّيّة ضخمة  في هذه المدينة .

وننشر في ما يلي الجزء الّثّاني من الحوار الشّامل الذي أجريناه معها :

10858582_10203445987893612_3057099295406982751_n

ليندا عبد الباقي

%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a0%d9%a2%d9%a0%d9%a4_%d9%a1%d9%a4%d9%a1%d9%a6%d9%a1%d9%a7-1-294x300%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a0%d9%a4%d9%a3%d9%a0_%d9%a1%d9%a4%d9%a2%d9%a7%d9%a1%d9%a7-180x300%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a0%d9%a4%d9%a3%d9%a0_%d9%a1%d9%a4%d9%a2%d9%a7%d9%a3%d9%a9-180x300%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a0%d9%a4%d9%a3%d9%a0_%d9%a1%d9%a4%d9%a2%d9%a8%d9%a1%d9%a3-180x300%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a0%d9%a4%d9%a3%d9%a0_%d9%a1%d9%a4%d9%a2%d9%a8%d9%a3%d9%a7-180x300%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a0%d9%a4%d9%a3%d9%a0_%d9%a1%d9%a4%d9%a3%d9%a1%d9%a4%d9%a4-180x3004%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a0%d9%a4%d9%a3%d9%a0_%d9%a1%d9%a4%d9%a3%d9%a4%d9%a1%d9%a5-180x30015749437_986233421521373_444617790_n13924920_889046204573429_2888872839026137471_n14039974_895800220564694_7723067434963960914_n

 

س6 :

أخاطب الآن ليندا النّاشرة .أرى شخصيّا أن مؤسّستك دار ليندا للنّشر لم يتأثّر نشاطها بالأوضاع الصّعبة السائدة في البلاد من جرّاء الحرب.وهذا يعني أنّ القارئ السّوريّ يواصل إقباله على اقتناء الكتاب رغم هذا الوضع الصّعب أم ثمّة أسباب أخرى ؟

 

***ليندا الشّاعرة لا تختلف عن ليندا النّاشرة لأنّني أعمّق تجربتي من خلال النّشر. وقد اخترت ذلك لأبقى مع الكاتب والكتاب وبين السّطور والحروف  سواء أكانت شعرا  أم نثرا  أم نقدا .ربّما أصبح الكتاب منذ اندلاع الأزمة الملاذ الآمن  لأنّه يوفّر حالة من الهروب من كلّ ما يقلق و ما يحدث  حالة من التوتر كالظّروف الاجتماعيّة والمعيشيّة والتلفزة والأخبار والتّفجيرات إلى صفحات ناصعة بيضاء تأخذ القاري إلى شاطئ الأمان والسّكينة، إلى عالم هادئ ينساب بين أنامله بهدوء ورفق. فيدخل عوالم قصيّة عن الدّمار فيها الكثير من الحياة والجمال. وقد ساعد على ذلك أيضا الانقطاع المستمرّ للكهرباء .فخير أنيس في الظلام شمعة تنير الحرف وكتاب ينير العقل ولأنّ الأزمة منتشرة كذلك في معظم أقطار الوطن العربي.

ولم تتأثّر دار النّشر لا على صعيد سورية ولا الوطن العربيّ  من حيث الطّباعة والنّشر ولكنّها تأثّرت  من ناحية التّوزيع لأنّ الكتاب السّوريّ كالمواطن السّوريّ اضطر إلى الاقتصاد والتّقشّف وحلّت به مثله لعنة الأزمة. ولا ننسى أيضا ابتعاد الإعلام عن الثّقافة الإصدارات الجديدة و المبدعين بحجّة أن الأولويّة لمواجهة الأزمة .وهذا  العزوف  جعل الأزمة تحتلّ الصّدارة على حساب كلّ ما هو إبداعي وجميل و نابض بالحياة. ومن حسن الظّنّ أن هناك  طبقة مهووسة بالقراءة لها علاقة حميميّة بالكتاب ولو على حساب رغيف الخبز .وهذه الطبقة هي  عماد المجتمع السّوريّ ومكمن قوّته. وأنا  باعتباري صاحبة دار ليندا للنّشر تحدّيت هذا الوضع بكلّ جبروت الكلمة  التي اعتبرتها السّلاح الأقوى في المعركة بإقامة المعرض الدّائم للكتاب في مقرّ دار النّشر، بالإضافة إلى المراكز الثّقافيّة وكذلك إقامة حفل توقيع لكلّ كتاب يصدر عن الدّار بفضل وجود لفيف من الكتّاب والمبدعين وكذلك أقامة معارض للكتاب وتوقيع مجموعة من الكتب لكتّاب من الوطن العربيّ  في مهرجانات مهمّة أقمتها  في أثناء الأزمة تحدّيا للوضع وتثبيتا للثّقافة ولجذب  فئات كثيرة من الشّبّان إلى السّاحة الثّقافيّة بعيدا عن الدّمار والسّلاح.

 

س 7:

المشكلة الكبرى التي يواجهها الأدب العربيّ اليوم هي انقطاع الكثير من مسالك التّوزيع بين الأقطار العربيّة .فكيف تواجهين هذا الوضع ؟وهل لديك فكرة عن مدى انتشار كتب مؤسّستك في تلك الأقطار؟

***طبعا  إنّها معاناة كبيرة ومن أصعب الأمور أن تكون الثّقافة والكتاب تابعين للسّياسة كأن ترفض إحدى الدول الكتاب السّوريّ أو تتعامل مع دور النّشر السّوريّة بطريقة ما لا علاقة لها بالثّقافة والأدب أو أن تغصّ دور النّشر بالكتب الدّينيّة لمواكبة الحدث.فهذه  كلّها أشياء تشدّنا مئات السّنين إلى الخلف،  فضلا عن غلاء الشّحن وتذاكر الطّائرة والحجز وقلّة زوّار المعارض والحالة الماديّة المتردّية للزوّار.لقد  كانت المؤسّسات سابقا تسهم في شراء الكتب واليوم هي تشكو الفقر والعوز. وبسبب  ما نعد به الكتّاب الذين ننشر لهم بإنّ كتبهم تعرض في المعارض الخارجيّة أصبحنا نحن دور النّشر نتقايض  فيما بيننا .فكلُّ  منّا يسافر ويأخذ كتب الآخر ولو بنصف السّعر التزاما بانتشار الكتاب في الأقطار العربيّة  .

 

س 8 :

لمّا كنت من شعراء قصيدة النّثر فهل يؤثّر ذلك في ما تنشره مؤسّستك من دواوين  أم هل تنشر أيضا لشعراء  القصيدة العموديّة وشعراء قصيدة التّفعيلة ؟
***أنا كتبت الشّعر بأشكاله . لكنّي أميل إلى قصيدة النّثر وقد أطلقوا عليّ منذ أكثر من عشر سنوات(شاعرة الومضة) .وقد ِسُمِّيتْ   بهذا الاسم  لما تحمله من اختزال للفكرة وعمق في المعنى وما يتوفّر فيها من عنصر الدّهشة. فقصيدة النّثر نظام شعريّ يتميّز بالوحدة العضويّة وكثافة  المعنى و ببساطة  التّركيب إذ هي لا تميل  إلى الشّرح والاستطراد ولها أشكال إيقاعيّة مخصوصة  تمحو الزّمان والمكان تتجسّد خاصّة في إيقاع المعنى والإيقاع الشّكليّ  . فيأتي الإيقاع فيها على أنحاء  متعدّدة  منها الاستعارة والتكرار والتوازي والمفارقة والمقاطع المنتظمة والبناء الدائري .وهو ما يمكّنها من الاكتفاء بذاتها. ولقد  كتبتها بكل تلك الأشكال ومن خلال ترجمة نصوصي وهو ما لاحظه شخصك النّبيل  حين ترجمت نصوصي . كتبتُها  وفق تواترات ناعمة كسرت المطلق ليلمع الشّعر من بين طيّاتها وليبدوَ مربكا وأخّاذا .فلم  أنفكّ  أشحذ الخيال وأخصّبه باللّغة والبلاغة والتّشبيه والاستعارة والكناية بعيدا عن عكّازة الوزن  أي ما يسمّى بالموسيقى العروضيّة والقافية والشّكل الهندسيّ الرّتيب المنتظم  الذي تحوّل  عند معظم الشّعراء إلى نظم  ، على حين أنّ الشّعر الحقيقيّ تمرّد على اللّغة وقول ما لم تقله، فهو منطقة الخطر في الوعي ومنطقة الشّرارة في اللّغة واهتزاز خلايا الحروف لانبثاق جديد. فشعراء الشّطرين راوحوا في مكانهم وحاربوا التّجديد وانعزلوا عن اللّغة الشّعريّة الحديثة  و قد فاتهم أنّ  الشّعر يكون شاحبا هزيلا إذا خلا من  الصورة المبتكرة وثرثاراً إنشائيا إذا لم يخضع لهندسة بنائيّة للأفكار والصّور فيصاب بتحجّر عقليّ ويصبح  حالة عدائيّة لجيل مبدع سيرفض حتما أولئك النظّامين  لأنّ الزّمن لا يعود أبدا إلى الوراء . لذلك  تميل دار نشري إلى  الحديث والحداثة والى الأجيال المبدعة المجدّدة بعيدا عن أصحاب العقول المتحجّرة التي لا تعترف بالآخر.

 

س 9 :

لك صالون ثقافيّ نشيط .فهل نشاط هذا الصّالون مكمّل لنشاط دار النّشر بمعنى أنّها تنشر خاصّة لأعضائه وأنّ  برامجه ترمي إلى التّعريف بمنشوراتها أم هل هو مستقّل عنها ؟

 

***الصالون منفصل تماما عن الدّار. وقد أسّسته قبل تأسيس الدّار بسنوات وقد افتتحه يوم تأسيسه الفنّان العالميّ غسّان مسعود وتحدّث بتلك المناسبة عن العالميّة وعن المسرح. ومنذ التّأسيس أخذت ت استضيف  مرّة في كلّ شهر المبدعين والقامات السّامقة في الشّعر والرّواية والمسرح والموسيقى والفنّ التّشكيليّ لإفادة الجيل الجديد بالخبرات العملاقة في هذه المجالات من خلال حوارات مهمّة تحرى معهم .ومن ضيوف المنتدى المترجم الرّائع لأعمال إيزابيل اللّيندي صالح علمانيّ والرّوائيّ فاضل الرّبيعيّ والشّاعر يحيى السّماويّ ومجموعة من النّحّاتين العرب والأجانب منها مصطفى علي وأكثم عبد الحميد والموسيقي حسين سبسبي وشادي العشعوش وغيرهم .كثير ..و لا استطيع حصر الأسماء لأنّها كثيرة جدّا على مدى ثماني سنوات  بمعدل اسم مهمّ في كلّ شهر….  على أنّ المنتدى هو في المقام الأوّل منبر للمبدعين الشّبان وهدفه هو رعاية مواهبهم  وصقلها ليكون شراع العبور إلى مدى أوسع يحققّ لهم الانتشار . وقد أصبح الخامس عشر من كلّ شهر طقسا رائعا لهم يشكّل شيئا مهمّا في حياتهم لما فيه من حميميّة وتنوّع. وروّاد المنتدى أسرة ثقافيّة رائعة بينهم  قواسم مشتركة أهمّها مطلقا سموّ الكلمة. وإنّي لأبذل كلّ ما في وسعي للتّعامل معهم جميعا بسويّة حتّى لا أخلق أيّ نوع من الضّغينة أو الحساسية فيما بينهم ومعي أيضا .لذا  استمر هذا الجو المنعش وهذا السّلام وهذا الّنقاء وهذا الصّفاء فيما بينهم كلّ هذه السّنين…لكن مهما كان الأمر  يبقى إبداعهم هو الكلمة الفصل. أؤكّد إذن أنّ هناك فصلا تامّا  بين المنتدى  ودار النّشر حتّى لا لا يكون نفعيّا وليترفّع عن  المصالح فيدوم .ونحن نعلن في المنتدى عن كتب مطبوعة في دور نشر غير داري لكن على أن لا يباع كتاب  .فيبقى فضاء ثقافيّا خالصا .

 

س 10 :

شرعت  مؤخرا في إنجاز مشروع تنشيطيّ ثقافيّ ضخم في مدينة السّويداء وصفتِه بأنّه مشروع العمر .فهل من بعض التّفاصيل   عن هذا المشروع؟

 

***فعلاً هو مشروع العمر لأنّه ضرب من الاستمرار لكلّ المشروعات السّابقة وتخليد لها  وهي دار النّشر وجمعيّة النقاء الثّقافيّة والمنتدى الأدبيّ وخلاصة  للنّشاط  الجاري فيها كلّها مجتمعة.وذلك  كلّ يوم جمعة من العاشرة صباحا حتى العاشرة ليلاً في بهو القصر البلديّ .وقد حصلت على الموافقة باسم دار ليندا للطّباعة والنّشر والتّوزيع لإقامة ما يشبه عكاظ 2017 أي معرض دائم مفتوح لكلّ دور النّشر السّوريّة وقد  يصبح لاحقا مفتوحا أمام جميع دور النّشر العربيّة .وتوازيا مع هذا المعرض تقام فعاليات ثقافيّة متنوّعة  منها نشاط مخصصّ للأطفال وحفلات توقيع للكتب ومحاضرات  نقديّة حولها وأمسيات شعريّة وقصصيّة ومسرحيّات  للصّغار وأخرى للكبار وحفلات موسيقيّة وغناء ملتزم . و توجّه بهذه المناسبة  دعوات رسمية إلى كلّ الأدباء العرب .وبذلك يكون هذا المشروع ثقافيّا سياحيّا لمدينة السّويداء ولسورية عامّة  وفرصة للقاء حميميّ بين الكاتب والكِتَاب وبين  المبدعين ومنبرا دائما للإبداعات المخضرمة والشّابّة بأوقات متقاربة ومستمرّة مدى الحياة .وقد يواصل هذا المشروع ابني أو ابنتي ليستمرّ عبر الأجيال القادمة فيرَمِّم ما شُوِّه من حضارتنا ومن فوائده أيضا   جعل الكتاب في متناول اليد مع خصم 20 %من سعره ليصل إلى العامّة و بذلك تصل رسالتي الأدبيّة الثّقافيّة الماثلة في رعاية جيل الجديد إلى كلّ الأطراف.وفي الختام   أشكرك على هذا الحوار الذي أتاح لي فرصة الحديث عن تجربتي الشّعريّة ونشاطي الثّقافي كلّه . وأسأل الله أن تبقى راعيا للأدب والأدباء  وأن نواصل  الإفادة من علمك البروفوسور محمّد صالح بن عمر.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*