المهديّة التّونسيّة عاصمة للشّعر العربيّ : الشّاعر والنّاقد المغربيّ محمّد بنّيس :نحتاج نقادا ذوي مستوى رفيع جدّا لكي نفتح أبواب الشّعر.. عرض : شمس الدّين العوني – تونس

%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%b9%d8%b1-%d8%b4%d9%85%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d9%86%d9%8a

شمس الدّين العوني

dsc05741
بعد فعاليات دولية للفنون التشكيلية و المسرح و الموسيقى و السينما…و غيرها من صنوف الإبداع و الإمتاع..تحتضن مدينة  المهدية  لقاء شعريّا  عربيّا .. لما تتمتع به من. جمال التفاصيل و سحر  المكان و عراقة التاريخ..ولوقعها المتميز على ساحل البحر الشاحذ للخيال والموحي بالألفة . فإذا بالقصيدة تنبت في الأرجاء في حيز من ذهب الأزمنة..
هذه المرة عنّ للفتية من شعراء و كتّاب و نقاد من أقطار عربية شتى من المغرب والمشرق أن يمضوا صوب عاصمة الفاطميين قديما لاقتراف المعاني و الكلمات و فق سؤال جوهري حارق خطير و هو “لماذا الشّعر الآن”؟…إنّها المتاهة الرائقة و الجميلة تقصّدا لنحت الكيان و تأصيل الذات  في عالم  صار يتشيّأ فيه الكائن البشري  و تتحوّل الثقافات إلى متاحف مهجورة..لقد نجحت الإدارة المنظمة لهذه الفعاليات في  اختيار هذا السؤال ليصير المحور و المعنى طيلة الأيام التي قضاها ضيوف المهدية بالمكان الذي احتفى بهم فاتحين الأحضان و الوجدان لهم..و برز ذلك بالخصوص في الحفل الاختتامي  الذي كُرِّم فيه الضيوف و أبناء الجهة .
وسائر  الوطن من الشعراء و غيرهم.

لقد اختتمت المهدية فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الشعر العربي الذي  شارك فيه  عدة شعراء ونقّاد  من تونس وأقطار عربية أخرى ، وخُصّصت جلسة الافتتاح لتكريم الشاعر والناقد المغربي محمد بنّيس الذي نزل ضيف شرف على المهرجان بحضور جمهور  غفير من الطلبة  ولإقامة أمسية شعرية  له شاركه فيها الشاعر التونسي منصف الوهايبي ورأسها رئيس اتحاد الكتّاب التونسيّين الشاعر صلاح الدين الحمادي.
 واشتمل المهرجان كذلك على قراءات شعرية توزّعت على عدد من مدن الولاية مثل قصور الساف والشابة والجم وسيدي علوان  تحقق لها نجاح جماهيري ملحوظ  و قد حرص المندوب الثقافي الأستاذ علي المرموري على توفير مقومات النجاح للفعاليات إلى جانب البرنامج الترفيهي و السياحي للضيوف .

وقد نسقت الشاعرة آمال جبار فعاليات الدورة  على حين اعتنى بالندوة الناقد حاتم النقاطي.وقد   خصصت هذه الندوة  لتدارس قضية بالغة الأهمية هي “لماذا الشعر الآن ؟ ”  حاول  المحاضرون المشاركون تقليب النظر فيها بتقديم ورقات نقدية  في موضوعات مهمة  منها خاصة  واقع الشعر العربي اليوم ودوره وما مدى حاجتنا إليه.
وفي هذا الصدد  ذهب ضيف المهرجان الشاعر والناقد المغربي محمد بنّيس  غالى أنّ الشعر اليوم أصبح صعبا جدّا والعثورعليه أصعب، والصعوبة تأتي في رأيه من كون الذين ينشئون النص الجيد قليلون جدا.
وواصل بنّيس قائلا “الأصعب أننا لا يمكن أن نصل إلى النوع الجيد بسهولة لكثرة الالتباسات في هذا المجال، وأنا أظن أننا نحتاج إلى ذائقة شعرية قوية  تستند إلى مراس لقراءة الشعر  لكي تدرك فعلا جودة هذا الفن ،كما نحتاج إلى نقاد  ذوي مستوى رفيع جدا، لا من حيث الإلمام بالنظري وحده ولكن أيضا من جهة التمتع ب ذائقة شعرية مرهفة لكي يتسنى لهم فتح أبواب الشعر، لأن الشعر  مثل الفيلم الجيد والمسرحية الجيدة واللوحة الفنية الجيدة يحتاج إلى ذائقة رفيعة.
الناقد الأردني جمال مقابلة تحدث عن ضرورة المحافظة على تقليد التزامن بين الإبداع الشعري و السؤال النقدي لأن الشعر والنقد متلازمان تلازما طبيعيا في سياق الثقافة العالمة، وطَرْحُ سؤالِ الشعر الآن بهذا الاتساع والكيفية يعني أنّنا سنبقى ضمن الخيارات الشعرية المتاحة. فكما أن هنالك تعددا في الأصوات الشعرية وتحوّلا في البنى الشعرية والأساليب على امتداد الأزمنة والأمكنة ستكون هناك قراءات للشعر مختلفة  مردها إلى اختلافات  متنوعة منها ما هو لغوي  ومنها ما هو فلسفي أو وجودي أو حضاري أو ثقافي.
إنّ هذا السؤال “لماذا الشعر الآن ؟ ” فيه من الاتساع ما يسمح بمناقشته على المستويات السطحية أو المستويات العميقة، فيه اتّساع يشمل الكلام في الشعر العظيم كما يشمل أبسط أنواع الشعر أو أقلّها أهمية.
لذا ينبغي تجاور كل مستويات الشعر لأن البشر مختلفون في النظرة الفلسفية والمقدرة اللغوية والأحاسيس والمشاعر واستشعار المقروء.
أما الشاعر  نايف الجهني من السعودية فقد رأى أن سؤال الشعر الآن لابد أن يتفرّع إلى ضفاف تؤدّي إلى الحقيقة الشعرية ودور الشعر في هذا العصر وكيف يمكن أن يحرك الشعر المياه الآسنة.
فالشعر في تقديره يتطلب الكثير من البحث و من التأمّل ويحتاج أن تُربط عناصره كافة لنصل إلى صورة  نهائية أو مشهد  نهائي يمكن أن يساعدنا على الرؤية ويمكن أن يمكّننا من الوصول إلى ما نريد الوصول إليه.
الشعر من خلال المداخلات التي قُدمت يكاد ينبئنا بأنه في صحّة جيدة  وبأنه  قادر على مواجهة كل التغيّرات والتطوّرات الطارئة على  حياتنا، كما أنّه يشير إلى ما تتمتّع به هذه الأمة من ميزة خاصة هي الشعر. فإذا كان الشعر إحدى خواصنا المتفردة فلابد أن نعتني به ونهتمّ به حتى  نوظفه  في الوصول إلى صورة مشرقة للإنسان في هذا العصر.
الناقدة آمنة بلعلي من الجزائر، أشارت إلى أنّ كل الأسئلة في مجال الشعر صالحة  منها  “لماذا الشعر الآن؟”،  “كم من الشعر الآن؟”، “كيف هو الشعر الآن؟”. والواقع العربي يقول لنا اليوم بأنّ لدينا تراكما كبيرا  في ميدان الشعر، وهذا التراكم يستدعي منّا عملية توصيفية أوّلا كي نرى كيف هي حال الشعر وعلاقته بالواقع الذي نعيشه في ظل التحولات المعاصرة وفي ظل ثقافة العولمة التي تجرّنا طوعا أو  كرها إليها وتجعلنا ندخل تاريخا آخر غير تاريخنا الخاص.
الشعر هو أبو الفنون وله علاقة وطيدة بوجودنا. فنحن حين نسأل عن الشعر نسأل عن وجودنا وكيف نحن وأين وصلنا وكيف نساير هذا العالم الذي من حولنا وهل نسينا وجودنا ولم نعتنِ به كما تعتني به الشعوب الأخرى التي تخلق تاريخا لها استنادا إلى التطور الهائل الذي تعيش. لذلك كل الأسئلة صالحة لأن تطرح حول الشعر في هذا الزمن.
الناقد و الأكاديمي المصري أحمد عبد الحميد عمر رأى أن المنظمين فضّلوا طرح السؤال الأكثر جذرية لأنه ربما ستتفرع عنه أسئلة أخرى، ورغم ما قد يبدو من أن هذا لسؤال ينطلق من أزمة الشعر في هذا العالم إلاّ أن الإجابات البحثية والقراءات الشعرية تنبئ بأن ثمة اهتماما حقيقيا بالشعر متأصلا في النفس البشرية وأن ما يختلف من عصر إلى عصر هو مدى الوعي بحدّة هذه الأزمة، إذن لا لوجود لأزمة ولكن العقل العربي عموما يميل إلى فكرة الأزمة، وكان طيلة الوقت يُطرح السؤال وطيلة الوقت يُكتب الشعر ويقرأ القرّاء.
الشاعر والإعلامي المغربي ياسين عدنان، تحدث عن العزوف عن الشعر وعن الإحساس بأن الهوة بدأت تتسع بين المعنيّين بالشأن الشعري من منتجين ونقّاد والجمهور العام الذي لم يعد يبحث عن الشعر ولا يهتمّ به.
اتساع هذه الهوّة هو الذي جعل النقّاد يعيدون سؤال مدى الحاجة إلى الشعر.وهو سؤال مشروع ومداخله متعددة، فاللهجات المحلية في بلداننا العربية بدأت تخلو يوما بعد يوم من المجازات والاستعارات والأمثال التي كانت ترصّع كلامنا اليومي وخاصة الأجيال الجديدة التي أصبح كلامها مقتضبا لا خيال فيه ولا بلاغة.على مستوى الكتابة فسوق الكتاب والكتاب الشعري تحديدا يتبرّم منه كل الناشرين الكبار  إذ أصبح عبئا عليهم وخارج حسابات الدعم، لأنّ الناشر يرى أنّه ليس مضطرا  إلى نشر كتاب لا قارئ له.
وختاما يمكن القول إن هذه الدورة كانت ناجحة من حيث الإعداد و التنظيم و إن المهدية  بفضل هذا الحدث الثقافي قد ضربت موعدا آخر مع الكلمات..و القصائد و جمهور الشعر..

لقد عاد الشعراء إلى بلدانهم  لكن كلماتهم  ظلت عالقة هناك..في مياه بحر المهدية هذا الذي ألهم كثيرا شاعرها الكبير المنصف غشام..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*