قراءة في قصيدة الشّاعر العراقيّ كريم عبد الله “الكونكريتيّة” بين اللغوي والغرافي : خيرة مباركي – تونس

12442743_10207069634112341_1605925520_n

الشّاعر العراقيّ كريم عبد الله

12715536_1583444458585245_983388728927680954_n

خيرة مباركي – تونس

القصيدة الكونكريتيةنسخ

قصيدة “الكونكريتيّة”للشّاعر العراقيّ كريم عبد الله “

 

 

ينبغي لمن يرى هذه القصيدة أن يقرأ ما بنفسه لا ما بين السطور … إنّها لعبة البياض والسّواد التي أصبحت ظاهرة فنّية تستوجب حضور القارئ أكثر من حضور الكاتب .. فإذا كانت الكتابة نداء فإنّ القراءة تلبية لذلك النّداء …إنّها القصيدة البصريّة “الكونكريتيّة”. وهي قصيدة المكان وتبئير الفضاء الطّباعيّ .. تتناقض مع قصيدة الكلام والدّال الشفويّ ومن ثمّة فهي قصيدة حسّيّة ملموسة ذات أبعاد سيميائيّة يُركَّز فيها الاهتمام  على علامات غير لفظيّة ومؤشّرات أيقونيّة دالّة .. وما نقف عنده في مجسَّم كريم عبد الله شكل مثلّث كبير ، يتبعه مثلّث صغير ولا حدود فاصلة بين المثلّثين .. وهو ما يعطي للبصر عدّة تمظهرات بصريّة في شكلها العامّ الخارجيّ …. ومن أوّل إطلالتنا قد يتراءى لنا  فيها شكل غرافيكيّ شبيه بنبضات القلب، ينطلق الخطّ من نقطة بداية ويسير نحو الأعلى  في شكل منحن قد يحيلنا على صورة من يحاول التّسلق إلى أعلى الهرم . إلى سفحه .. لكن سرعان ما ينحدر إلى الأسفل ويواصل سيره في اتّجاه يتداعى فيه إلى موقع سفليّ وكأنّها صورة سيزيف وهو يدحرج صخرته إلى قمّة الجبل لكنّها تسقط … أو كأنّها الذات في رنوّها إلى الأعلى لكن  دون أن تتخلّص من أفقها السّفليّ .. ولعلّ ما ينطوي عليه داخل الشّكل الهرميّ من تكرار لفظ “أنت”  إحدى وسبعين مرّة .. يؤكّد هذا البعد الوجوديّ .. وكأنّها بهذا التّكرار تأخذ فسحتها في أسفل الهرم لكن سرعان ما تضيق عليها المسارب فتختنق .. باحثة عن منفذ للخلاص .. لكن دون جدوى .. وبهذا تتقابل في هذه “القصيدة ” عدة ثنائيّات منها : السّفلي/العلويّ .. البياض/السّواد .. الملفوظ /الصّامت .. والأهمّ  في هذه الثّنائيّات قيامها على عالمين :عالم لغويّ ذي طابع إنشاديّ إيقاعيّ من  يظهر من تكرار الضمير “أنت” وعالم كاليغرافيّ مشكل بالشكل الهرميّ .. وبهذه الثّنائية كأنّنا بالشّاعر يطلق “كوجيتو” جديدا .. مُحصَّلُه ..”أنت موجود إذا أنا موجود ” في وجودك وجودي .. وفي وجودي وجودك .. وهذا الإطار الأسود هو المجال الماديّ والبعد الفكريّ الضيق الذي سجن فيه ال “أنت” نفسه .. وما هذا الانزياح بالشّكل نحو اليسار إلاّ رغبة في الانعتاق والتّحرّر .. بهذا قد تبدو قصيدة كريم عبد الله الكونكريتية مجرد شكل بصري .. لكنّها تحمل أبعادا دلاليّة متعدّدة .. هي ليست فضاء جامدا مميتا بالرّتابة السّيمتريّة بل هي شكل يستفزّ البصر والفكر .. يحاول عبرها  إحلال مبدإ  التّعبير بالصّورة اللّفظيّة  محلّ التّعبير بالصّورة البصريّة … وبهذا يسهم شاعرنا في تحويلنا من ثقافة الكلمة إلى ثقافة الشّكل الذي يذيب اللّغة الشّعريّة في فنون أخرى ويصهرها معها …

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*