خَطَرُ الخُطى الدّاهمُ La sombre menace des pas شعر: بسكال برّو – شاعر فرنسيّ

11986499_10206081063244215_935284799580798344_n

بسكال برّو – شاعر فرنسيّ

stock-photo-54742030-walking-man

 

بعضُ الخُطَى
شَرِهةٌ شراهةَ الصّدَى
والزّمنُ من وقعِها
يغدو مُنتكِثَ القُوى ،
مُنحلَّ العُرى

وليلٍ تيبَّستْ نفثاتُهُ
ودخانٍ من الهمِّ انداحتْ حلقَاتُهُ
وفؤاد اشتدَّتْ معاناتُهُ
وعُمرٍ نُسِفتْ طفولتُهُ

خطوةٌ
كيدٍ تمتدُّ في الظّلامِ الحالكِ
بأصابعِها تلتفُّ على شَغافِ القلبِ المتهالكِ

خطوةٌ
إذا ما في صمتٍ على أديمِ الأرضِ انطبعتْ
أعطافُ كيانِنا فجأةً تنفّستْ
و إلى قرع الرّصيفِ رُغْمًا عنها عادتْ
وتمدّدتْ

كلُّ سبيلٍ توالتْ الخُطواتُ على جادّتِها
شاقنا على الدّوامِ انتهاجُ مَحَجّتِها
وجرتْ أنفاسُنا في لَقَمِها وسَنَنِها

أرصُدُ مَخارِمَ الصّمتِ ووُعُوثتَهُ
وتصَدُّعَهُ الطّفيفَ وحُزُونتَهُ
ومساوقةَ الخُطى قريبًا مَعاطِفَهُ وتعرُّجَهُ

فأعودُ خائبًا غَاثيَ النَّفسِ حَسِيرَها
فإلى متى هذي الحياةُ يستمرُّ جحيمُهَا ؟
لا أحدَ غيرَ اللهِ يعلمُ ساعةَ زوالِ كَرْبِها وانفراجِها

تعليق محمّد صالح بن عمر:

يفضي إلينا صاحب هذه القصيدة بمجموعة من الانطباعات عن حركة من حركات التّنقّل العادية. وهي الخُطوة، تلك التي وإن كانت لا تلفت انتباه عامّة النّاس إلاّ إذا كانت مخالفة للمواصفات الخاصّة بها، لسبب مَرَضيٍّ أو لضرب من العبث فإنّ الفنّان أو الفيلسوف يمكنه أن يتبيّن فيها دلالاتٍ رمزيّةً ،ككلّ الأفعال والأحداث والكائنات والأشياء التي تقع أو توجد في هذا الكون.
من القراءة الأولى يلاحظ القارئ أنّ الخطوة قد قُدِّمتْ على أنّها مصدر من مصادر الجزع وأنّ وصفها الذي جاء، في ما يُرى، انتقائيّا، لكون الشّاعر لم يلتقط منها إلاّ العناصر التي لاحت له مفيدة وموحية قد تركّز ،من بداية النّصّ إلى نهايته، على مظهرين منها رئيسين :المظهر السّمعيّ والمظهر البصريّ اللّذين يتساويان هنا من حيث أثرهما الفظيع والضّارّ في الكائن البشريّ الحسّاس .وهو ما أدّى، منذ العنوان، إلى رسم صورة للخطوة هي من أشدّ الصّور إثارة للوحشة والرّعب (شراهة الصّدَى – ليل تيبَّستْ نفثاتُهُ – دخان من الهمِّ انداحتْ حلقَاتُهُ – عُمر نُسِفتْ طفولتُهُ …إلى غير ذلك …) وقد لخّصها في كلمة “جحيم”الواردة في المقطع الأخير.
هذا الوصف ،في حقيقة الأمر، يتنزّل في أفق ظاهراتيّ ووجوديّ ، لكون حركة المشي توهم الفرد الذي يمارسها بأنّه يتقدّم بمحض إرادته والحال أنّه إنّما يتّبع الطّريق التي يسلكها، تارة في خطّ مستقيم وأخرى في منعرج أو منحدر صعودا أو نزولا ، كما أنّه يخطو وجوبا خُطاه في مسافة زمنيّة محدّدة لا يبرحها .وهذا القيد المكانيّ والزّمانيّ هو في حدّ ذاته أشدّ إثارة للجزع، لأنّه مهما تَكُن الغايات التي يسير إليها الإنسان محقّقة لسعادته وراحته  النّفسيّة فإنّ هدفه النّهائيّ سيكون حتما الموت.
إنّها قصيدة فلسفيّة، مدارها على غرض مستحدث حقّا وأسلوبها مؤسّس على تكثيف العدول والمعاني الثّواني.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*