قصيدة اليوم عدد 32 ( سلسلة جديدة ) : حين تتعاظلُ الكلماتُ Encordés, les mots: شعر: فيليب كورك – شاعر فرنسيّ – باريس

12316266_10207863471289520_5159417954765872575_n

فيليب كورك – شاعر فرنسيّ – باريس

stock-photo-20788132-writing-hand

 

يُجمِّدُ
البردُ
يديَّ
أُمْسِكُ
برُصاصةِ القلمِ
وهي تَخطُّ
باللّونِ الأسودِ
على أوراقِ كنّشي
المدعوكةِ
ما يعتملُ فيَّ من رغباتٍ
وما يساورني من شكوكٍ
أهديكِ
عِقدًا
رقيقًا
من الكلماتِ
ينتظمُها
خيطُ اللاّمعنى
وتفيضُ منها
ألوانٌ
وألحانٌ
أمارسُ
بعينيَّ
الضّاربتينِ إلى الزُّرقةِ
لعبةً
خرساءَ:
أَطرِفُ بجفنَيّ
نحوَ المآلِ
الذي يخبِّئه لنا
القدرُ
فتنعشُ
النّارُ
روحي

تعليق محمّد صالح بن عمر :

تنتمي القصيدة التي سنقرؤها اليوم معا إلى جنس البيان.وهو جنس يكون شعريّا أو نثريّا ومداره على مكاشفة القارئ بطبيعة الكتابة ووظيفتها، كما يتصوّرهما كاتب من الكتّاب أو شاعر من الشّعراء.وفي هذا الإطار المحدّد يكشف صاحب هذه القصيدة عن أُسَّيْن تقوم عليهما الكتابة الشّعرية عنده : أحدهما أنّ كتابة الشّعر تجربة ذاتيّة بحتة يتوسّل بها إلى الغوص في أعماق ذاته، بحثا عمّا يعتمل فيها من مشاعر سلبيّة، بعيدة الأثر، بغية التّخلّص منها بالإفصاح عنها ومن ثمّة إبلاغِها بوساطة اللّغة .وهذه المشاعر على ضربين : من جهة هي “رغباتٌ” أي مشاعرُ تنتمي إلى ” المُرادِ فعلُه” أي إنّها لا تتحقّق بالضّرورة في مستوى الفعل.وهو ما جعل خطاب الشّاعر يكشف ضمنيّا عن وجود إحباط خفيف.ومن جهة أخرى ،وعلى وجه التّحديد في مستوى المفكّرة ، تتراءى ” شُكوك”تنمّ عن وجود عقل غير واثق من نفسه، متردّد إزاء الآخر وإزاء العالم.وهذا العنصر، لئن كان علامة مميّزة للمبدع الفنّيّ الذي من خصائصه عدم ثقته على الإطلاق في قدراته، لكونه يصبو على الدّوام إلى الكمال فإنّه ليدلّ أيضا على وجود روح وجوديّة من أبرز سماتها الإحساس بالخوف من الآتي (أَطرِفُ بجفنَيّ/نحوَ المآلِ/الذي يخبِّئه لنا/ القدرُ).
والأسُّ الآخر أسلوبيّ .وهو مضاعف، يتجسّد أوّلا في ضرب من الكتابة المتدفّقة ينساق في أثنائها الشّاعر وراء لذّة العبارة فتقوده بدلا من أن يقودها ، كتابةٍ تذكّرنا بلعبة ” الجثّة اللّذيذة” التي مارسها السّرياليّون (أهديكِ /عِقدًا/رقيقًا/من الكلماتِ/ ينتظمُها /خيطُ اللاّمعنى )والتي من شأنها إرباك القارئ بما يتولّد عنها من صور مباغتة.وبالإضافة إلى ذلك يتّسم أسلوب هذا الشّاعر بإيقاع شديد التّنغيم ودَفْق تصويتيّ جهوريّ .وهو ما جعلنا نطلق عليه لقب ” ملك الإيقاع” (تفيضُ منها/ ألوانٌ/ وألحانٌ ).
هذه قصيدة أخرى مقتضبة وخفيفة لكنْ عميقة تتنزّل كليّا في اختيارات صاحبها الأغراضيّة والأسلوبيّة وتوجّهه الفكريّ.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*