الدّروس التي تقدّمها أعمال بيكاسو الفنّيّة : محمّد صالح بن عمر

رفقة بيكاسو – مالقة – الأندلس ( 11 أوت/أغسطس/آب 2015 )

لقد كنتُ دائما ولا أزال من المنبهرين بحياة بابلو بيكاسو ( 1880 – 1973) الفنّيّة التي امتدّت على ما يقارب الثّمانين عاما ، من سنة 1889،ّ تاريخ إنشائه لوحتَه الأولى – وهو في الثامنة من عمره – إلى وفاته وكذلك بأعماله الضّخمة التي تشتمل على أكثر من خمسين ألف لوحة وتمثال ورسم بالقلم وغيرها من ألوان التّعبير الفنّيّ .لكنّ الذي يفرض الاحترام في هذه التّجربة ليس جانبها الكمّيّ وحده وإنّما أيضا وبوجه خاصّ رؤية صاحبها المتفرّدة ،العميقة، للعالم ، تلك التي تتجلّى في ذلك الأسلوب الشّهير المسمّى ” تكعيبيّا تحليليّا “.وهو الذي ابتكره بيكاسو مع صديقه الرسّام الفرنسيّ جورج براك. وقوامه عرض الكائنات والأشياء كما هي في الواقع أي من زوايا نظر متعدّدة لا كما يراها النّاظر الذي يتعذّر عليه رؤيتها في كلّ مرّة إلاّ من زاوية واحدة .و لقد اختار هذا الأسلوب كما لو أنّه ينشد نقل حقيقة العالم الخفيّة التي يقصر الإدراك البشري عن النّفاذ إليها.
على أنّ قيمة أعمال بيكاسو لا تنحصر في هذا الأسلوب الثّاقب ، التّائق إلى اكتناه الأشياء. فقد برهن أيضا في مسيرته الطّويلة (أكثر من ثمانية عقود) على أنّه يتمتّع بحساسية مفرطة إزاء مظاهر الشّقاء التي يعاني منها البشر .وذلك برسمه ملاعين الأرض من شحّاذين وفاقدين للبصر و معوقين عضويّين وجرحى و قتلى …وكذلك الدّمار الذي تخلّفه الحروب كما في لوحته الشّهيرة ” قرنيكا” (Guernica) التي صوّر فيها ما أتاه النّازيّون الألمان والفاشيّون الإيطاليّون من قصف إجراميّ لهذه المدينة الواقعة في بلاد الباسك ( إسبانيا) ، مخلّفين فيها أكثر من سبعة آلاف قتيل ،لمعاضدة القائم بالانقلاب العسكريّ آنذاك ضد الحكومة الجمهوريّة.وهو الدّكتاتور الذي سيتربّع في ما بعد على عرش البلاد الجنرال فرانكو .
ولم يكن بيكاسو ليخشى أولئك القتلة .فلم يتردّد في عرض هذه اللّوحة في السّنة نفسها بالمعرض الدّولي بباريس – وكانت وقتئذ تحت الاحتلال الألمانيّ. وبتلك المناسبة زار المعرض السّفير النّازي بباريس.فاستوقفته لوحة قرنيكا. فسأل بيكاسو قائلا : ” هل أنت الذي فعلت هذا؟ ” فأجابه : ” بل أنتم الذين فعلتموه” ، مقيما بذلك الدّليل مرّة أخرى على أنّ العبقريّة الفنّيّة لا تتضارب أبدا مع الالتزام .

أمام مؤسّسة بيكاسو – مالقة – الأندلس ( 11 أوت/أغسطس/آب 2015)

تحت الشّقّة التي وُلد فيها بيكاسو – مالقة – الأندلس ( 11 أوت/أغسطس/آب 2015)