حوارات “مشارف” : 2 – مع الشّاعر التّونسيّ محمّد عمّار شعابنيّة

محمّد عمّار شعابنيّة

 

من هو محمّد عمّار شعابنيّة ؟

ولد محمّد عمّار شعابنيّة في 18 جويلية 1950بمدينة المتلوّي ( تونس).يتواصل عطاؤه الشّعري منذ أوائل السّبعينات .أدار المهرجان الوطنيّ للشّعر بالمتلوّيّ طيلة عدّة سنوات.خطا خطواته الأولى في صلب المجموعة التي سُمّيت ” شعراء المناجم” في جهته الأصليّة : الحوض المنجميّ بالجنوب الغربيّ التّونسيّ. ثمّ تطوّرت شواغله من العناية بأوضاع الطّبقة الشّغيلة المحلّيّة إلى الاهتمام بأحوال العمّال في العالم ومن المشكلات الاجتماعيّة إلى الأسئلة الوجوديّة التي تثيرها منزلة الإنسان في عصرنا الحاليّ لكن دون التّخلّي عن توجّهه النّضاليّ الملتزم.وفي الوقت نفسه تطوّر أسلوبه من الخطاب التّحريضيّ الرّامي إلى توعية الجمهور وتعبئته إلى لغة منمّقة ، موسومة على نحو عميق بمياسم الشّعريّ.
مجموعاته الشّعريّة
ألغام في مدينة بريئة ( تونس 1976 ) – طعم العرق (تونس 1985 )غبار الوقت (تونس 1994 )- ثلاثون سماء تحت أرض الخوارزمي ( تونس 2009) – ورقات من ديوان الثّورة ( 2011 بالاشتراك مع حسن بن عبد الله.

 

السؤال 1:  يرتبط اسمك في  منذ بداية السبعينات  في تونس بما سمّي” شعراء المناجم “.وهي تسمية لم تنفكّ تثير جدلا واسعا : فالي أيّ  حدّ يمكن إقامة حركة أدبيّة على أساس مهنيّ أو جهويّ إذا اعتبرنا أن شعراء المناجم ظهروا في منطقة الحوض المنجميّ بالجنوب الغربيّ التّونسيّ؟

محمّد عمّار شعابنيّة :حركة شعراء المناجم ـ التي  أفضّل أن أسمّيهم بالشّعراء المنجميّين وقد سحب  الرّوائيّ الكبير  إبراهيم  الدّرغوثي تعريفها  على كلّ الأنماط الكتابيّة فأفصح  عن  تسمية  ” الأدب  المناجميّ ” ـ كتب قصيدتها الأولى الشّاعر المرحوم أحمد المختار الهادي في بداية  ستّينيات القرن الماضي باللّغة  العربيّة  الفصحى.. وكانت  قصائد باللّهجات الدّارجة التّونسيّة  واللّيبيّة  والمغربيّة  والجزائريّة والأمازيغيّة قد قيلت منذ  بداية  القرن  العشرين ..وكتب أوروبيّون  باللّغة  الفرنسيّة  من  وحي مجزرة العمّال  المعتصمين بالمغازة المركزيّة بالمتلويّ ، التابعة  لشركة الفسفاط ،  الذين  اغتالت  منهم القوّة   الاستعماريّة ثمانية  عشر كادحا  وجرحت أربعة  وعشرين  آخرين لم يواصلوا  الحياة أكثر  من  أشهر.

لذلك فإنّه لا  يوجد حدّ يمنع إقامة حركة أدبيّة  على  أساس مهنيّ أو جهويّ لأنّ الدّافع  الوحيد  هو المعايشة والتّعرّف  عن  قرب  على  أحوال المهنيّين  الذين  تتمّ الكتابة  عنهم ..وقد حالفنا  الحظّ في  ما قلناه بصدق  رغم عفويّته  وبساطته في  البداية  لأنّ عمّال  المناجم كانوا يُعَدّون  بالآلاف مجمّعين  في فضاء محصور  جغرافيّا  وهو ما أصبح يسمّى منذ بداية  القرن  الواحد والعشرين  بالحوض   المنجميّ في الجنوب  الغربيّ التّونسيّ ،  ولو  كان  هؤلاء المنجميّون موزّعين بالعشرات  أو المئات في أرجاء  كثيرة من  البلاد   كأعوان  السّكك  الحديديّة  أو  الكهرباء والغاز مثلا لتوزّعت  أتعابهم  بين الأماكن المتفرّقة  ولما  كان ممكنا ظهور  أدب  منجميّ .. لذلك فهناك شرطان  أساسيّان  توفّرا لحركتهما هما :
أوّلا : انتماؤنا إلى أكبر  تجمّع  عمّاليّ تونسيّ .
ثانيا : ابتلاء هذا الحشد المنجميّ الكبير بمشاكل  ومخاطر ومتاعب مهنيّة فرضت على أقلامنا الوقوف إلى  جانبها .
وقد يسألني بعضهم عن الأسباب  التي لم تساعد على نشوء أدب  يهتمّ بشواغل  عمّال البترول  ،يمكن  تسميته بأدب بتروليّ  .فأجيتُ  بأنّ المشتغلين  في  المنشآت  البتروليّة لم تدمّرهم الأوضاع المهنيّة  التي  دمّرت  عمّال  المناجم  في جميع  أنحاء العالم ومختلف معادنه.

السؤال 2 : هل  الشّعر المنجميّ فرع من الشّعر العمّاليّ الذي نصّت عليه الواقعيّة الاشتراكيّة بالاتّحاد السوفياتيّ في عهد ستالين وبتنظير من المفكّر الرّوسيّ فلاديمير جدانوف؟ وإذا كان ذلك كذلك فكيف يستقيم هذا الاتّجاه وقد كتب بعض شعراء المناجم في غرض المديح ،منهم خاصّة المرحومان عامر بوترعة وأحمد المختار الهادي؟

محمّد عمّار شعابنيّة : لنتّفق  على  أنّني ومن شاركوني تجربة  الشّعر المنجميّ قد  انطلقنا  في البداية  من أفكار  مجرّدة من  كلّ تأثير فنّيّ أو  إيديولوجيّ ،  فقد كنّا في الكتابات  الأولى  واصفين  تصويريّين .. فأنا  كتبت  بواكير  قصائدي  المنجميّة خلال  الفترة  التّلمذيّة وإذا  كان المرحومان أحمد  المختار  الهادي  وعامر  بوترعة قد كتبا  قصائد  المديح إلى  جانب ما  كتباه  عن المنجميّين فقد تبيّن  لي عندما بدأ تِ  الطّريق  تستقيم  أمامي أنّ الغرض المنجميّ لا  يقبل  من  الشّاعر ما  يناقض  توجّهه. لذلك عهدت  إلى  مجموعتي  الشّعريّة الثّانية  ” طعم العرق  ” أن  تكون  وفيّة لعرق  أبي  وجدي  وعمّي  وخالي وجيراني وأبناء الرّبوع  المنجميّة  ممن استنشقوا  غبارها واغتسلوا بعرق  كدحها فرأيت إلى  جانب  ذلك أنّ الكتابة عن  المنجميّين تمهّد بسخاء إلى  الكتابة  عن  العمّال شريطة  أن لا يهيمن المعطى  الإيديولوجي ّ على  المعطى  الفنّيّ .. وهذا  يجرّني  إلى  الملاحظة  أنّ  جدانوف ،رغم تآزره مع  الرّوائيّ  مكسيم  غوركي  ل في تحديد ضوابط الأدب الواقعيّ  الاشتراكيّ في مؤتمر  كتّاب روسيا سنة  1934، قد كان منتصرا إلى نظرة  إجرائيّة تؤمن بأن  يصبح هذا  الأدب صوت  الطّبقات  الكادحة والمكافحة .وهذا ، في تقديري،مقبول ما  لم نختلف  معه على أنّ  هذا  الأدب  تفرض  عليه  واقعيّته أن  لا  يبشّر بأشياء قد  تتجاوز  الواقع ،  ولعلّي أبقى مقتنعا بأنّ  مكسيم  غوركي  رفيق جدانوف هو الأبرز في وضع نظريّة  الواقعيّ الاشتراكيّ ومعاييره في الإتّحاد السّوفييتي لأنّه  قد أنجز أوّل رواية  في   الأدب  الواقعيّ الاشتراكيّ سنة 1906  وهي رواية ”  الأمّ ” التي كانت باكورة  الأدب الواقعيّ  الاشتراكيّ، إلاّ  أنّ   وفاته  سنة 1936 –  وهو المولود عام 1886  – قد  فسحت  المكان للسّكريتر الثّالث للحزب  الشّيوعيّ بأن يتمادي  في  نشر الفكرة  والتّبشير بالأدب  العمّاليّ الذي يؤكّد أن  تكون نهايات أثاره  ورديّة . وقد  تواصل  ذلك منه إلى  سنة 1953 . فلا  غرابة  إذن  في أن  ينسى غوركي الذي لم يعش أكثر من  سنتين يتيمتين بعد  الإيحاء بنظريّته .   وكما  يقال فإنّ المثقّف يفكّر  والسّياسي  ينشر ثمار فكره .
أمّا أنا فإنني مقتنع بأنّ الشّعر  العمّاليّ ، وهو  فرع  من  الأدب  العمّاليّ، يجب  أن  يدرك كاتبه بأنّه معطى لا يصْدق  صوته إذا ربطه  صاحبه بصوت  آخر مناقض له كإخضاعه إلى نظرية  إيديولوجيّة موجّهة أو موازاته  من قائله بقصائد التّمجيد التي تمدح سلطة لم تقدّم  للعمّال  ما يحلمون  به ويناضلون  لأجله … ولعلّي في القصائد التي  نشرتها في مجموعتي الشّعريّة الثّانية  ” طعم العرق ” سنة  1985 أو  كتبتها  بعد  ذلك قد  حدّدت  مفهومي للشّعر  العمّاليّ الذي آمنت بأنّه كتابة  فاضحة لما  يعيق طموحهم للانعتاق ممن يبخّر  عطاءاتهم ويعيق مساعيهم للارتقاء بشعوبهم ويحقّق  لهم الكرامة والاطمئنان .. فقصائد  ” مواجع  أبي  دلف الخزرجيّ ” و ّ قطرة  من  عرق ” و” سيّد  السّفن”  و”  نمنمات  على  عظام  سنمار  ” و”تنزلات  مشغال ابن   أبي  كدح ” تشهد  على ما  قلت .

السؤال 3 : بدءا من التّسعينات انتقلتَ تدريجيّا من الكتابة عن عمّال المناجم إلى الكتابة عن نضال العمّال في العالم بأسره .لكنّك عدتَ فجأة بعد ثورة 14 جانفي التي فجّرها الشّهيد محمّد البوعزيزي إلى الكتابة في الشعر المنجميّ المحليّ  ثمّ تخلّيت عنه مرّة أخرى في السّنوات السّبع الماضية. فكيف تفسّر ذلك؟

محمّد عمّار شعابنيّة: للشّاعر الذي  يعيش  للنّاس  ومعهم  حالات كتابيّة  شتّى تفرض  عليه  أن  يواكب الأحداث  المتواترة ، وقد توقّفت  عن  كتابة الشّعر  المنجميّ في  تسعينيات  القرن  الماضي  لأكتب  عن نضالات  العمّال  في  العالم لأنّني  اكتشفت أن ما  كرّست  له  صوتي في  المناجم قد  تغيّر ،  فلم تعد  هناك  حوادث  شغل  تذكر  وتتواتر واستُبدلت  الأنفاق  المنجميّة  التي  كانت  تنهار يوميّا  على العمّال  فتسحق  بعضهم  وتكسر  عظام  بعضهم  الآخر بمناجم سطحيّة  مفتوحة على السماء يستطيع المرء أن يرابط  فيها   سنة  كاملة دون  أن يمسّه  سوء  .. وارتفعت  أجور  العمّال فأصبح المنتدب منهم  في أسفل السّلم  يتقاضي  أجرة  لا  تقلّ  عن ألف  دينار وتعدّدت  المنح  والمكافآت وأجور  الشّهر  الثّالث  عشر  والشّهر  الرّابع  عشر ليطمئن  الجميع  على  أوضاعهم  وليعرف  الذين  يحسدونهم على  هذه  النّعم  أنّهم قد  حصلوا  عليها بعد  نضالات  طويلة ولصعوبة  مهامّهم ولحقّهم  في التمتّع بنسب ممّا  ينتجون .. فلم يعد هناك مجال للقول كما كنبت الكلام التّالي  منذ أكثر  من  أربعين  سنة :
منزلي كوخ صغيرْ
وخلاصي أجرة ظلّتْ صغيرهْ
وأنا  أقسمها بين طعام ولباس وشرابِ
وإذا  أجّلتُ دفـْعا  لديوني

يُطرفٌ الخبّازُ..
والخضـّارُ..
والعطـّارُ … بابي
بوعيدٍ
وبتهديد بأنْ  لا  يطعموني
قبل  أن  يستخلصوا  كلّ ديوني

غير  أنّ  الذي يجب  أن  يفكّر  فيه  هؤلاء  الكادحون هو  مصير  حوضهم  المنجميّ الذي   لم  يتغيّر  فيه شئ نحو  الأجمل والأرقى  والأفضل ..أمّا  أنا  فقد سادني  هذا  التّفكير فأنتجت  منذ سنتين أو  أكثر  بقليل  قصائد  منجميّة لا  علاقة  لها  بالعمّال لأنّ  علاقتها  ترتبط  بالمآل المخيف خشـْية أن  تصبح الرّبوع  الفسفاطيّة  مدن  أشباح.  وما قصائد ” المناجم “و”ديناميت  منجميّ ” و” قصيدة المناجم  ” التي  تعرفها  جميعا إلاّ  تأكيد  لما  قلت.

السؤال 4 : بعيد 14 جانفي 2011 طفقت تتغنّى بالثّورة ونلت عن ذلك    جائزتين ثمّ لم تلبث أن انتقلت إلى انتقاد الأوضاع التي ترتّبت على حدوثها.فما السّر في ذلك الانقلاب؟

محمّد عمّار شعابنيّة : في  العشر الأواخر  من  سنة 1910 كان  قِدْرُ البلاد  يغلي بعدما  أحرق محمّد  البوعزيزي نفسه  في  سيدي  بوزيد احتجاجا على  حجز  عربته التي  ينقل  بواسطتها  الخضر  والغلال فانخرطت  صحبة الصّديق الشّاعر  المنجميّ حسن  بن  عبد الله صاحب  دار  النّشر هديل وأصيل  الرّديّف في  تبادل قصائد آنية عبر التّراسل  الفايسبوكيّ لمواكبة الأوضاع المستجدة في البلاد فكان الواحد  منا  يكتب  للآخر تعليقا  شعريّا في وقت سريع  عمّا يحدث بمشاعر  وأحاسيس جارفة ومتشنجة  أحيانا ليأتيه  الردّ في نفس  اليوم  أو  اللّيلة  وتواصلت الكتابة إلى حدود شهر فيفري 2011 بعد خلع الرّئيس  المصريّ  حسني  مبارك ، لنجمع ما نشجناه وأنشدناه في  كتاب شعريّ  أطلقنا  عليه عنوان ” حالات  شتّى لانتظار  واحد  ” أصدره  حسن  في طبعتيْن خلال مارس وجوان من العام  نفسه تحت  عنوان ” حالات  شتّى لانتظار  واجد” ..وعندما  هاتفتي  الصّديق عز الدّين  المدني  طالبا  موافاته بقصيدة    في  موضوع الثّورة لنشرها  في جريدة الأسبوع  الثّقافيّ التي يستعد لإصدارها اخترت له بعض النّصوص ممّا  تضمّنه لي الكتاب المذكور فنشرها بالعدد  الأوّل  من  الجريدة في  جوان 2011 تحت  عنوان  ”  هكذا  يحملنا  ضوء ” وبعد  أشهر تمّ  الإعلان  عن  جائزة أبي القاسم   الشّابّي لأفضل قصيدة عن  الثّورة منشورة  بمجلّة  أو  جريدة فشاركت في المسابقة وفزت بالجائزة الأولى من  بين أربعمائة  وواحد  وخمسين  مشاركا وآلت  الجائزة  الثّانية والثّالثة  إلى  الشّاعرين   محمّد  الغزّي  ويوسف  رزوقة ..كانت  القصيدة  في  مقاطعها  المتآلفة مخلصة  لحلم  بالخلاص ممّا أحكم  ضغوطاته  على البلاد والعباد طيلة ثلاث وعشرين  سنة . وبعد  أشهر  من  ذلك  التّاريخ تأكّدت من  أنّ  الأحلام قد  تبخّرت وتسلّط  على البلاد  حكّـّام  أقل  ما يقال  فيهم إنّهم ليسوا  الذين انتظرنا وِفادتكم وعمّ السّواد  والكساد وتوسّعت  دائرة  الخوف وتفاقمت الأزمات فشعرت  بخيبة تصوّر  وكتبت قصيدة  طويلة  بعنوان ”  شقيّا .. مرّ ذئب الوقت ” نشرت  جريدة  “الشّروق” جزءا  منها ، وعندما  أعلنت  الإذاعة الوطنيّة  عن  مسابقة أفضل قصيدة  عن  الثّورة أسهمت  بها فيها وكنت  مستبعدا  إمكان  إجازتها  وحتى إبقائها ضمن  القصائد  المنتخبة  للتّباري لأنّها كانت  صرخة  ضد الأوضاع التي آلت  إليها  البلاد بعد ” انتفاضة  البرويطة “، مندّدة بسياسة الحكّام  الجدد وفاضحة للممارسات  التي لا علاقة  لها بالتّنمية  والثّقافة  والأمن والاقتصاد،غير  أنّني فوجئت بفوزها بالمكافأة الوحيدة  فتأكد لي أنّ أعضاء   لجنة فحص  النّصوص قد  انتقوها لأنّها قد  صادفت  هوى في نفوسهم لصدقها  وجرأتها  . وتوالت  قصائدي في نفس المسار فلاقت قبولا واسعا  لدى  المتلقّيين لأنّهم وجدوا  فيها ما  يعكس مشاعرهم  وأحوالهم..  ومن  بين  هذه  القصائد  أذكر:
1)” أم  على جمرة  من  نحاس أعضّ ” التي  تأثّر بها سفير  فلسطين بتونس  عندما  قرأتها في أمسية  شعريّة في بنعروس في أوت 2014  بمناسبة  ذكرى  وفاة  الشّاعر  الخالد محمود  درويش

2) ” برك لضفادع عرجاء ” التي حظِيتْ بأكثر من   ثمانين  تقاسما  عندما  نشرتها  في صفحتي الفايسبوكيّة.

3) “سبع بقرات ضعاف لسبع سنبلات عجاف ” بمناسبة  مرور سبع  سنوات عمّا  حدث في تونس ستة 2011 .

وأعتقد أن جميع ما كتبته سيكون شهادة للأجيال القادمة عما أصاب  البلاد  من أزمات  بعد سنة 2011 على جميع  الأصعدة ّالاقتصاديّة  والماليّة والتّنمويّة  والثّقافيّة  والاجتماعيّة والتّربويّة والأمنيّة  وغيرها ممّا لا تحصى ، لأنّ فيه  تعرية لواقع قذر وتطهيرا لضمير عسى  أن  يأتي اليوم   الذي  فيه  تستعيد  قصيدتي صفاءها للكتابة  عن  تونس  جميلة .

السؤال 5 : إذا كانت الأوضاع الحالية التي تولّدت عن ثورة 14 جانفي 2011 في نظرك متردّية فلا يغيب عليك أنّ كلّ الحكومات التي توالت بعدها  حكومات شرعيّة وقد اختار الشّعب التّونسيّ معظمها في انتخابات ديمقراطية ،شفّافة .فعلام أنت غاضب إذن ؟

 محمّد عمّار شعابنيّة :لا أشكّك في شرعيّة الحكومات التي أفرزتها انتخابات شفاّفة أشرفت  عليها لجنة  مستقلّة  للانتخابات  ووفّرت  لها كلّ  ظروف النّجاح والمصداقيّة .هذا من  النّاحية  التّنظيميّة والممارسة  الدّستوريّة فقط ،  ولكنّ الذي أزعجني  من  هذه  الحكومات هو أنّها لم تحكم  بالجدّيّة والهيبة  اللاّزمتين لحسن  تسيير شؤون  البلاد وحمايتها  من الانهيار.. فقد اعتقدت  جميعها أنّ ما  هو  مطلوب  منها  هو هدم ما  هو  موجود ولا يجوز التّواصل  معه ـ وباكونين صادق في مقولته ” لكي تبنيَ لا بُدّ من  أن  تهدمَ” ـ  ولكنّها  لم  تبن شيئا بعد  الهدم لأنّ جميع المشاريع  التي بُرمجت منذ حكم  التّرويكا  لم  تر النّور وقد انتشرت الفوضى  وتوقّف العمل  وتفاقم التّهوّر  وتزايد التّهريب وكثر التّداين الخارجيّ فسدت التّربية وتضاعفت  أعداد المعطّلين   عن  العمل،  ولا حول  ولا  قوّة للدّولة برئاساتها وحكوماتها  المتتالية على التّغيير.. أفلا يحزنني ذلك إلى ما هو أبعد من الغضب ؟

السؤال 6 : يّنت كلّ  الانتخابات التي انتظمت في تونس بعد 14 جانفي أنّ التّيار اللّيبرليّ اليمينيّ بشقّيه الحداثيّ والدّينيّ هو الأكثر تجذّرا في الشّعب  ، إذ صوّت له قرابة 2.300.000 مواطن من مجموع 3.200.000.فهل يمكن أن يزدهر أدب نضاليّ في بلد كهذا؟

محمّد عمّار شعابنيّة ::كان الشّعب في حاجة إلى انتخاب سلطة تنفيذيّة  وسلطة تشريعيّة لتسيير  شؤون البلاد  وإعداد دستور  جديد لها فاكتشف أنّ البلاد  خالية  من  الأحزاب  والتّيارات  السّياسيّة  والإيديولوجيّة المتماسكة  وذوات  التّنظيم المحكم  التي لم تتمكّن من  البروز في العهد السّابق  إلى  جانب  التّجمع  الدّستوريّ  الدّيموقراطيّ الذي سدّ   الطّريق أمام   ظهورها  وبروزها،  لذلك حدث تكتّل  بين  حركة  النّهضة ذات العقيدة الأكثر  انتشارا بين الإسلاميّين الرّاديكاليّين  والمؤتمر  من  أجل الجمهوريّة والتّكتّل ، ولئن  حسبت  هذه الحركات على  التّيّار اللّيبيراليّ فإنّها لم تتمكّن أثناء توزيع الأدوار  الرّئيسيّة ( رئيس الدّولة ،  رئيس الحكومة  ورئيس المجلس التّأسيسيّ ) من بسط نفوذ تسييريّ قادر على تنفيذ تصوّر اجتماعيّ  واقتصاديّ وعقائديّ  وسياسيّ  ينبذ  الظّلم  ويحقّق  المساواة وينشر  الحرّيّة بل سعت إلى توفير الشّغل والمناصب الأساسيّة  لذوي  القربى وقصمت  ظهر  الثّقافة وفسحت  المجال  أمام هرطقة المتصلّبين  دينيّا وانحازت  سياسيّا إلى  تكتّلات أصوليّة  متحجرّة لذلك نبذها من انتخبوها فاندثر بعضها بعد  انتخابات 2014 . وما تمّ لا يمكن ربطه بإمكان  ازدهار أو ذبول أدب نضاليّ في البلاد لأنّ  هذا  الأدب  إن وُجد بوضوح لا  يمكن  إلاّ  أن  يكون  نتاج أعداد  كبيرة  من ساردي  البلاد وشعرائهم أولئك  الذين لم يتوّفر  لهم إلاّ معطى  واحد ممّا انتظره الشّعب  وهو حرّيّة التّعبير ، وهذه الحرّيّة  كفيلة  بأنْ تسهم في بروز أدب  نضاليّ نابض ولافت   للأنظار  في بلادنا .

السؤال 7 :أنا ناقد ومؤرّخ أدبيّ وناشر .وأعلم جيّدا أنّ الإقبال على الشّعر في المكتبات التّونسيّة قد ضعف إلى أبعد الحدود في السّنوات الأخيرة  وأنّ دعم وزارة الثّقافة للكتاب قد تراجع بنسبة 70 بالمائة تقريبا ، كما أنّ الصّحف التّونسية قلّ الإقبال عليها بل انقرض أغلبها في السّنوات القليلة  الماضية ولم تصمد منها إلاّ الصحف  القديمة  بفضل الإعلانات التي ننشر فيها .فالي من يكتب الشّاعر التّونسيْ

اليوم؟

محمّد عمّار شعابنيّة :ما ذكرتَه  أنت لا يشجّع على الكتابة لدى  من ينتظرون  منها مردودا  ماليّا  بعد  طباعة كتبهم ،كما  أنّه لا  يساعد الكاتب شاعرا  كان  أو غيره على طباعة مؤلّفاته لأنّه لن يجد من يقتنيها ليخفّف  من  تكاليف نشرها .. فقد  كانت  دور  الثّقافة تشترى من  كتـّّاب محيطاتها في  الجهات عشرات  النّسخ من صادراتهم وكذلك  المعاهد الثّانويّة  والمدارس الإعداديّة لتوزيعها كجوائز في  احتفالات نهايات السّنوات  الدّراسيّة ..واليوم أصبح  ذلك  من  عداد الذّكريات .. ونتيجة  لما  حصل أصبح  الشّاعر ينشر  قصائده في صفحته الفايسبوكيّة ليقرأها الآخرون الذين اختلط عليهم  الحابل  بالنابل وهو  يطالعون كتابات متطفّلين ينتسبون  إلى  الشّعر بوقاحة  وهو برَاء منهم .. والغريب هو أنّ أغلبيّة  هذه التفاهات تحظى  بمئات علامات  الإعجاب من   تافهين مثل  أصحابها  وصاحباتها..
وأمام ما ذكرته يفكّر الشّاعر  الأصيل في ترك الساحة  واسعة لمن  دنّسوها لكنّه لا  يقدر  على ذلك لأنّ  جينات الشّعر  تتحرّك  في عقله كما  تتحرّك بقيّة الخلايا النّشيطة وتجبره  على الانصياع  لأوامرها كلّما أمرته بأن  يكتب شعرا .

السّؤ ال 8 .ظاهرة تكاثر الشّعراء  في شبكة الفايسبوك أ هي ظاهرة سلبيّة أم إيجابيّة خاصّة أن القاعدة في معاملة ما ينشر من قصائد هي المجاملة .وذلك ماثل في إمطار  أيّ  قصيدة بوابل من” اللاّيكات” مهما كانت قيمتها وأحيانا  حتّى دون قراءتها؟

محمّد عمّار  شعابنيّة :سبقتُ أو  تعجلّت في عرض ظاهرة  القصائد  الفايسبوكيّة  الرّديئة التي تمرّدت  على  الشّعر  الحقيقيّ وعلى شعرائه  ونقّاده وعلى مارك زوكربيرغ مخترع  الفايسبوك نفسه الذي يكره  الشّعر . وأعتقد  لو أنّ أعضاده  أطلعوه على خمسين نصّا  من الخربشات المقرفة المنتسبة باطلا إلى الشّعر لأمر بمنع نشر  الشّعر رديئه وجميله بالفايسبوك فلربما هو سبب  من  الأسباب التي أسهمت في تفاقم خسائره المالية في الأشهر  الأخيرة . وأنا أتخيّل  لو يحدث  ذلك لتحقّق  أكبر  انتصار للشّعراء الحقيقيّين  الذين سيتوجهون بنصوصهم  إلى الصّحف  والمجلاّت التي لا تتعامل  مع الرّداءات ضمانا  لمصداقيّة منشوراتها .
غير أنّي لا أعتقد أنّ  هناك رادعا  يمنع من  التّصدّي لهذه  الظّاهرة السّيّئة في  الفايسبوك ما دام  مفتوحا لمن  هبّ  ودبّ وما  دام  بعض الشّعراء المعروفين يجاملون  بعض المخربشات لجاذبياتهنّ الفيزيولوجيّة لا  الفكريّة  بوضع علامات  الإعجاب.

وهناك من لا يتورّع  فيدعو بعضهنّ  للمشاركة  في ملتقيات  ومهرجانات شعريّة ويغدق  عليهن بمنح  سخيّة لغاية  في  نفس قط ّ جارنا  ابي القطط .

والأخطر من كلّ  ذلك  يتمثّل  في إقدام  بعض  دور  النّشر على  إصدار ما يقدّم لها  من إساءات للشّعر لأنّها تحصل  على مقابلها  الماديّ .

السّؤال التاسع :أنت من الشّعراء التّونسيّين القلائل الذين حظوا بعناية الكثير من النّقّاد وأنا واحد منهم.فماذا قدّم لك النّقد ؟ وهل هو مفيد حقّا  للشّاعر أم يمكنه الاستعاضة عنه بالنّقد الذّاتيّ؟

لقد ساعدني النّقد على إعادة النّظر في توجّهاتي واختياراتي الشّعريّة فكنت أسعى إلى الإضافة عندما أقتنع برأي نقديّ يدعوني إلى ذلك، فأعيد  النّظر في فكرة  أو  صورة  أو  أسلوب أو موقف لأقترب  أكثر  من  قرّائي .. فالنقد عموما يطلع الشّاعر على عوالم جديدة لم يرها بمفرده ولن يراها ولو سعى إلى قراءته خمسين مرّة..وقد كنت عكس ذلك أحيانا  أقرأ مقالا نقديّا  فاشعر  ببُعده عمّا  قصدت فأتعامل  معه براحة  بال ولا أحمل  على  صاحبه أو  أصادمه .  وسأبقى مؤمنا بأنّ كلّ نصّ لا يحيط به النّقد هو نص ميّت..

السّؤال العاشر :ما هي مشروعاتك القادمة؟

لي كتب تنتظر الإصدار أذكر منها:
*مجموعة شعريّة قد يكون عنوانها « حين أسرجتُ   وقتي ّ
*محاوراتي قبل الثّورة وبعدها.

*ما كتبه  النّقاد  عن  قصائدي .

*كتابات  في الشّعر المنجميّ  والشّعر  العمّاليّ ؟

*أغان  وأناشيد للأطفال .
*ارتجالات ساخرة ” كشف  العوْرة في النّظم السّاخر  بعد  الثّورة ”

*مسرحيّة للأطفال ّ “النّسور كانت  بيضاء”.
*مسرحيّة للأطفال ” لأجل  الشّمس”.
*مسرحيّة  شعريّة   للأطفال  ” كرنفال  الورد “.
*بلديّة  المتلوّي من 11 نوفمبر  1908 إلى 11 نوفمبر2008.

 

والكتابة متواصلة ما دام للقلب نبض… وللعُمْر  فيض.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*