قراءة تحليليّة في أفق قصيدة “أحاسيس”للشّاعر العراقيّ المصيفيّ الرّكابيّ المقيم بشيكاغو بالولايات المتّحدة الأمريكيّة بقلم: فاطمة عبد الله – القدس – فلسطين

فاطمة عبد الله

تدور
في..ذهني
أحاسيس..
كأسراب الحمام
منها.. حلوة
كمذاق..
 اللّوز بالسّكّر
تلوح ..لي ..فيها
ملامح امرأة
كأنّها.. القمر
تسرّ..خاطري
وتطرد الضّجر

ومنها.. مرّة
كحلم .. يحتضر
فيها ..
تعتريني كوابيس
كأنّها .. إبليس
يقذف بالنّار
بتلات ..الزّهر

نحن أمام قصيدة شفافة، ذات إيقاع شخصي تزاوجت فيه الكلمات وتراكيب العبارات وتضادت الفكرة.
فهذا هو الشعر المعاصر الذي يبدأ بالفكرة، وتسلك فيه القصيدة طريق القصة في العناية بجزيئات الأحاسيس،وصور الانفعالات، ورسم الجو النفسي المصاحب لها.
تنقسم القصيدة إلى جزأين متضادين، بوحدات قصيرة، والعنوان هنا جاء واضحا معلنا عن نفسه، بكل ما فيه من رحابة المفردة واتساعها ودلالاتها.فهذه المفردة تتجاوز البنية اللغوية وتثير في نفس المتلقي تساؤلات كثيرة كالدبابيس تخز الجسد وتوقظ حواسه، فيستعد للجرح وتزداد ضربات القلب، وتشرع الروح نوافذها .
مطلع القصيدة فعل مضارع يشد المتلقي ويستحضر ذهنه ليدخل في ذهن الشاعر، والفعل المضارع هو فعل القصيدة، فعدا عن الوظيفة الزمنية للفعل التي تدل على الزمن الحاضر، فهو أيضا يدل على الحركة والحيوية وحالة صاحب الفعل ووصفها.
تبرز معالم الصورة الشعرية في هذه القصيدة في التشبيه، كتشبيهه أحاسيسه بأسراب الحمام، والحمام يعتبر رمزا للحب والسلام في مختلف الثقافات والحضارات، ويرمز أيضا للحرية. والإخلاص للشريك والألفة.
والآن لو جئنا للحركة الحسية لأسراب الحمام ففي هذا القسم من القصيدة يحلق السرب فرحا بحرية وسلام ويطير بانسجام، تستدل عليه الحواس من سماع الهديل الخافت الناعم بسجع وكأنه تسابيح، او مناغاة شريك، يسمع صوت أجنحته وترى العين الريش الدقيق تداعبه النسمات.فأسراب الحمام هذه حلوة، تدل على الفرح والسعادة مذاقها كمذاق اللوز بالسكر، وهنا تتدخل حاسة التذوق، حيث طعم السكر الحلو والناعم الأملس الملون، يغلف اللوز ويوزع في المناسبات السعيدة والأفراح والأعياد، يبهج الصغار والكبار، ويتناولونه بفرح .
في خضم هذه البهجة تلوح امرأة جميلة كأنها القمر، والقمر هو رمز الجمال والوجه الحسن والحب. وهو مصدر إلهام الشعراء .يقف الشاعر في هذا المقطع من القصيدة بصدق مع مشاعره، فهذه المرأة تسر خاطره، ويبرز هنا نطاق الحركة النفسية للفعلان يسر وتطرد، في كيان الشاعر حيث الاستجابة للجمال دون ابتذال بل بما يناسب العقل والذوق في التعبير عن نفسه الظمأى للحب المتعطشة للجمال.
وكما تحدثت في بداية مقالي هذا أن هذه القصيدة تنقسم إلى قسمين متضادين، تعرضنا للقسم الحلو منها، وها نحن ندخل القسم المرّ.
فكيف هي أسراب الحمام وهي في حركة حسية فزعة؟حيث تضرب الهواء بأجنحتها بقوة، وترفرف في عجلة وحركة عشوائية على غير هدى،خائفة من عدو أو تحذر من اقترابه، ويتحول صوت الحمام إلى شخير يلفت الانتباه ويدل على الوقوع في محنة.
في هذا القسم من القصيدة يرسم لنا الشاعر صورة يندمج فيها الحس بالشعور، فقد أعطانا إحساسا تاما بالألم، ألم الاحتراق، احتراق تلك البتلات بالنار، وما ستبدو عليه لمجرد ملامستها اللهب، هذا مشهد تكره العين رؤيته، وينكر الأنف رائحته، وتحترق البتلات الرطبة الطرية بصمت فلا يسمع لها طقطقة كتلك الصادرة عن احتراق الحطب، يا له من مشهد يعتصر القلب بالحزن والأسى، فهو فعلا كابوس يقف عليه إبليس.
تنتهي القصيدة بقتامة وحركة نفسية وحسية عنيفة، تترك المتلقي لنفسه وقدراته على توليد الصور.

فاطمه عبد الله
القدس ٣١/ مايو /٢٠٢١

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*