تَرَاجِيدْيَا لَمْ تنْتَهِ بَعْدُ: ريتا الحكيم – اللاذقيّة – سوريّة

ريتا الحكيم

لديَّ ما يكفي مِنَ الخواءِ
لأستعيرَ منهُ نقوشًا للحزنِ
أحاججُ بها اليقينَ..
أنتزعُ منه موتيَ المحقَّقَ
أدوِّنُ على جبينِ الليلِ الباردِ أسماءَ رجالٍ
يحفرونَ في رأسِ الأرقِ قبورًا يدفنونَ فيها تراجيديا حياتِهم


الرِّجالُ الذين أحببتُهم غرقوا في بحرِ الذَّاكرةِ أحياءً..
كلَّما شدَّني الحنينُ إلى أحدِهم أرمي لهُ قلبي طوقَ نجاةٍ.

أعترفُ أنَّني خذلتُ نفسي حين همستُ لها:
الرَّاءُ في اسمي..
ربيعٌ ما شممتُ عطرَ أزهارِهِ

الياءُ فيه..
يا ربَّ الأكوانِ أغِثْ مَن تبقَّى منَّا!

التَّاءُ فيه..
توتٌ برِّيٌّ علقَ على شِفاهِ الوقتِ؛
فنزفَتهُ أوردتي دمًا

الألفُ فيه..
انهمارُ الدَّمعِ في جداولِ النَّدمِ

لم يعد لديَّ الآن ما يكفي مِنَ الدُّموعِ لأبلِّلَ بها أسِرَّةَ أطفالٍ كتمتِ الأكفانُ صراخَهم
بعد كلِّ هذا الجفاف ما زلتُ امرأةً برِّيةً
كغابةٍ تشكو من وفرةِ حرائقِها..
كنبعٍ استنفذَت مياهُهُ كلَّ الأوكسيجن في محاولاتِها المُتكرِّرةِ للصُّعودِ إلى الأعلى

في بلاديَ المنكوبةِ..
كلَّ صباحٍ يفيقُ الموتُ..
يُكحِّلُ عينَيهِ بمآسينا..
ويتأمَّلُ بإعجابٍ ما جنتهُ يداهُ.

تُرى! بماذا همستِ الغابةُ للسَّماءِ حينَ اندلعتِ النَّارُ بأشجارِها؟
مَن سيُقنِعُ حرائقَ السَّماءِ أنَّنا أصِبنا بالتُّخمةِ
من حرائقِ الحروبِ؟

لم تكفِنا حرائقُ الحروبِ، وندوبُها
ليكتملَ مشهدُ الخرابِ،
ها هي السَّماءُ تعيدُ تدويرَها
والنساء بأثدائهنَّ الهزيلةِ يطعمنَ الأرضَ المحروقةَ
ويُنجبنَ من رمادِها أطفالًا تحتضنُهم أرصفةُ الغربةِ
تشدُّهم إلى صقيعِها..
وتحكُّ شوقَهم بمخالبِها

وأنتَ أيها الغريبُ..
في محنتكَ لا تلمِ الوقتَ إن تناسلَ
على عتباتكَ وأنجبَ من نَزقكَ قبائلَ مِنَ الضَّجر؛
فأنا لم تعد تصلحُ جثَّتي لموتٍ ثانٍ في مقبرةِ وطنٍ مشرعةٌ قبورُها لأكثرَ من موتٍ
#
ريتا_الحكيم

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*