مقال بمناسبة : هكذا أرى النّاقد محمّد صالح بن عمر: بقلم : النّاقد الأدبيّ والصّحافي الثّقافيّ والشّاعر التّونسيّ محمّد بن رجب – قليبية – تونس

محمّد بن رجب


اذا تحدثنا عن أديب كثيرا ما نقول بأنه من أهم الكتاب أو هو من خيرة الأدباء أو هو من أفضل ما عرفت تونس من المؤلفين والمثقفين…
لكن.. اذا ما أردنا الحديث عن الناقد الأدبي الكبير الدكتور محمد صالح بن عمر فلا يجوز القول بأنه من أهم النقاد. لانه أهم النقاد التونسببن وأفضلهم وأكثرهم إنتاجا وابرزهم في التأثير على مسيرة الشعراء في تونس وبالنسبة للكتاب الساردين يمكن أن نعتبره من أهم نقاد القصة والرواية خاصة في “العهد الطليعي” الذي انطلق إثر النكسة العربية التي أشاعت احساسا مريرا بالهزيمة أمام العدو الاسرائيلي الغاشم الذي سلب الأمة العربية الأرض الفلسطينية. وانتهى ذلك العهد الطليعي بعد نجاح المرحلة الأولي من تنفيذ السياسة الاقتصادية الليبرالية التي باشرها النظام التونسي بقيادة الهادي نويرة بعد فشل التجربة التعاضدية لأنها اثبتت فشلها وأحدثت شرخا اجتماعيا عميقا و تسببت في انهيار الاقتصاد الوطني لأن أصحاب الأملاك ورجال الأعمال قاوموا السياسة الاشتراكية التي لم تتوضح في الأذهان ونشرت الخوف منها ولكل من قاومها من الحاكمين والمعارضين مواقف مختلفة منها..
والمهم ان نؤكد أن هذه الأوضاع السياسية الوطنية والقومية والدولية و هذه التجارب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا يمكن إلا أن لا ترافقها متغيرات في الثقافة والآداب والفنون وحتى في التربية والتعليم فلا شئ يمكن أن يكون معزولا عما يجري في البلاد عن الثقافة فكانت الطليعة التي لم تشمل الأدب فقط بل أيضا الفنون..
ويمكن ان نعتبر ان الإبداعات الطليعية السردية برزت مع عزالدين المدني وسمير العيادي ومحمود التونسي ورضوان الكوني وأجمد ممّو وإبراهيم الأسود وإبراهيم بن مراد والطليعة الشعرية كانت مع فضيلة الشابي والطاهر الهمامي والحبيب الزناد والتهامي الكار..
أما النقد الطليعي فقد تبلور على يدي الناقد محمد صالح بن عمر الذي رافق الحركة الطليعية بدقة وأفادها من جميع النواحي ويمكن أن أذكر الناقد احمد الحاذق العرف الذي قدم خدمات مهمة للبحث الجامعي والدراسات العلمية لكن لا بد من الإشارة الي انه كان عصاميا و لم يلتحق بالجامعة…
كما أن الطليعة كانت قد أثرت على الحركة المسرحية مع المنصف السويسي والبشير الدريسي والسيد العلاني ورجاء فرحات لأن الذين كتبوا للمسرح هم من الكتاب الطليعيين أمثال عزالدين المدني وسمير العيادي..
و قد برز في الموسيقى محمد القرافي وحمادي بن عثمان.
و في الفنون التشكيلية يمكن الحديث عن مخمود التونسي ونجيب بلخوجة ومحمود السهيلي ..
….
عجلة الحراك الطليعي اذن مرت من جميع الميادين الثقافية بتأثير كبير من كلية الآداب تسعة أفريل التي كانت الكلية الوحيدة الآداب في تونس في تلك الفترة تضم أساتذة مؤمنين بالتغيير والإصلاح وهم تقدميون وحداثيون.. وهي في مساراتها مستفيدة من شباب جامعي متطلع الي الثورة والتجديد والتغيير رغم أن جل أفرادها كانوا يتحركون في أطر تابعة للحزب الدستوري الحاكم وينشرون في وسائل اعلامية جلها تابعة لهذا الحزب والدولة او هي مستقلة إنما منغرسة في المسار السياسي العام للنظام الحاكم.. نذكر منها أساسا الملحق الثقافي لجريدة العمل ومجلة الفكر وجريدة الأيام وجريدة المسيرة وحريدة الناس.. وطبعا نشر الطليعيون أعمالهم في جرائد مختلفة أخرى…
والمهم ان نؤكد من جديد أن لا أحد من الطليعيين كان متابعا لهذه الحركة بعمق نقديا وتاربخيا وفكريا مثل محمد صالح بن عمر منذ أن كان في العشرين من عمره رافقها من بدايتها.. الي نهايتها.. ثم انغمس في البحث الجامعي مركزا على بعض مسائل في اللغة العربية و نال الدكتوراه والتحق بالجامعة مدرسا.. وعاد الي نقد الطليعة والطليعيبن موضحا.. ومفسرا وشارحا ومصححا ومستدركا.. وهو يفعل ذلك بعد أن لاحظ ان خلطا كبيرا حدث في الأذهان حول الطليعة وادعاءات تتطلب كلها حسما وحزما حتى تبرز الحقائق بعيدا عن المواقف الخاطئة او الفبركات التي راكنت الباطل احيانا.
نقول ذلك رغم أن الشاعر الطاهر الهمامي رحمه الله درس الطليعة الأدبية في كلية الآداب لنيل شهادة الدكتوراه تعمق في بحثه ورسم تاريخها وركز على خصوصياتها ووضع لها جداول عن الانتاجات التي انتمت الي التجربة الطليعية.. مع ذلك اقول بأن الطاهر الهمامي كان رافدا لما قدمه محمد صالح بن عمر فما تجاوزه ولا اختلف معه.. لكن الوافد مهم لكنه لا يمكن أن يعوض الأسس…
وهنا لا يمكن أن لا ابارك من جديد كلية الآداب التي كانت سندا قويا للحداثة والبحث العلمي في الأدب والفكر وأيضا كانت سباقة الي دراسة الطليعة علميا فسمحت لأحد زعمائها وهو الطاهر الهمامي ان يدرس نفسه مع بقية زعماءالحركة.. وهو ما لم يحدث حسب علمي في اي جامعة عربية او أفريقية وأعتقد ان هذه التجربة الطريف لم تحدث حتى في الجامعات الغربية البارزة..
واذا ما تتبعنا مسيرة محمد صالح بن عمر منذ منتصف السبعينات الي اليوم اي بعد غياب الطليعة من الساحة الثقافية والأدبية.. فإننا نجده قد تنوع في تجربته النقدية وواكب كل التجارب الشعرية خاصة وبحث تجارب بعض القصاصبن من بدايات القصة التونسية الي اليوم. وهو يعتمد جل المدارس النقدية ولا يتقيد بمدرسة نقدية فرنسبة ولا انقليزية ولا أمريكية ولا يعتمد النقد الأدبي العربي فقط. انه شامل.. وعميق وحصيف.. وذكي.. مع غزارة في النشر والملاحقات الساخنة للكتابات الإبداعية والمحاضرات في جل المدن التونسية
.. وهو لا يقبل جماعة أدبية ولا يرفض غيرها.. فهو محب للأدب وكل التجارب التونسية ولا أعتقد أن هناك كاتبا في الخمسين سنة الأخيرة لم يستفد من هذا الناقد المتميز الذي عمر حياتنا الثقافية منذ نهايات الستينات الي اليوم وأسعد عشرات الكتاب بكتاباته عنهم ..
وقد استفاد محمد صالح بن عمر من شبكات التواصل الاجتماعي الاليكترونية وفتح له مجالات عمل أخرى مهمة وأصبح صاحب مواقع ومجلات أدبية.. وإختار أن ينفتح اكثر على التجارب العربية فواكبها بعمق وأخذ منها الكثير من الكتابات الشعرية فعرف بها ونقلها الي العربية واختار كتابات تونسية وعربية وعرف بها وترجمه الي الفرنسية.. فأصبحت متاباعاته ونقدياته و كتاباته في ادب الرحلة باعتباره أصبح رحالة إذ زار الكثير من البلدان وتقابل مع الكتاب والنقاد الأجانب كتب عنهم وترجم أهم أصبحت منارات ولا منارة واحدة ..
ورغم مسيرته الزاخرة بزخم من البحوث والكتابات والتعريفات والترجمات فإنه حافظ على تواضع غريب من نوعه.. وحافظ على لطف المعشر.. وتمسك بأسلوب متوازن يبتعد به عن الشتائم والسباب والتجريح والتحقير..إرباك الناقدين او المبدعين .. فهو يتعامل مع الجميع بما يفيدهم.. ويفتح أمامهم أفق التغيير والتطور على درب الكتابة الجادة.
وقد كنت أقرأ لمحمد صالح بن عمر منذ أن كنت في التعليم الثانوي.. وهو طالب في الجامعة ثم وهو استاذ واستمعت الي محاضراته الكثيرة وشركات معه في ندوة عربية مهمة في أبوظبي رجعت منها بمادة صحفية حركت بها الأقلام لمدة طويلة مع إثارة معركة أدبية بين الشعراء و الناقد محمد لطفي اليوسفي …
ولم نلتق الا في التسعينيات وقد حدث بيننا بعض خلاف في مسألة بداية حضوري علي الساحة الثقافية.والدور الذي مارسته عن الطليعة دون أن اكون طليعيا . ودار جدال بيننا في بعض المنابر الاعلاميةكان فيه على درجة عالية من الهدوء.و حافظ دوما على احترامه لي و لم يخرق عاداته وتقاليده في لطف الكلمة وحسن المعشر.
ويبقى رائدا في النقد الأدبي .. وفي المتابعات والملاحقات…. ويمكن ان نذكر في النقد الأدبي عددا كبيرا من النقاد الجامعيين او العصاميبن.. لهم اسماء بارزة ومؤثرة وفاعلة على الساحة الأدبية…. وفي كليات الآداب التي أصبحت عديدة في تونس… لكنه يبقى أكثرهم غزارة.. والأكثر تغلغلا في الساحة الأدبية وهو من اوائل النقاد الجامعيين الذين نزلوا من ابراجهم العالية.. واختلطوا بالساحة الأدبية والشارع الثقافي.. ومارسوا نقد الكتابات وهي جديدة وربما مازالت تتعثر.. فقد طرق حديد الإبداعات وهي ساخنة في حين ان النقاد الجامعيين عودونا بطرق حديد الإبداعات وهي باردة اي انهم لا يهتمون الا بالابداعات التي ترسخت… وانغرست في التجربة الأدبية…
………
ملاحظة
……………
كتبت هذه الكلمة عن محمد صالح بن عمر كما عرفته دون وثائق ولا مراجعات. و دون استعراض لعناوين مؤلفاته الكثيرة وايضا دون سرد لدراساته.. ولا حديث عن الندوات والملتقيات التي انتظمت في تونس بالعشرات وايضا في البلاد العربية التي حضرها بعضها كنت حاضرا فيها وذلك بمناسبة الندوة الكبيرة التي تنتظم غدا السبت 20 جوان حول تجربته النقدية في إحدى قاعات مدينة الثقافة تحت إشراف السيدة إشراف شيراز العتيري وزيرة الثقافة وتنشيط الصديق محمد المي.. بمشاركة عدد من النقاد والباحثين. راجع اللافته حول هذه الندوة التي تصدر محاضرتها في كتاب مخصوص… وهي ندوة تكريمية يستحقها.. بعد أن أكرم عشرات الشعراءوالساردبن والنقاد …
واتمنى أن تحقق هذه الندوة النجاح الكبير . وان شاد الله بمزيد التالق. يا استاذ محد صالح.. مع الاماني بطول العمر..مع الصحة الموفورة… .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*