وقائع النّدوة التّكريميّة للفيلسوف التّونسيّ محجوب بن ميلاد بنادي قدماء المدرسة الصّادقيّة سنة2001 1) كلمة السّيّد فؤاد المبزّع رئيس جمعيّة قدماء الصّادقيّة

فؤاد المبزّع

حضرات الضيوف، سيّداتي، سادتي،

إنّه لمن دواعي سعادتي وابتهاجي أن أفتتح هذه الندوة التي انعقدت لدراسة موضوع “ما استلهمه الأدباء والعلماء الوافدون على تونس في العصر الحديث”. وذلك وفاء لروح أستاذنا الجليل محجوب بن ميلاد، طيّب اللّه ثراه. ويطيب لي أن أرحّب بكم أجمل ترحيب، أصالة عن نفسي ونيابة عن هيئة جمعية قدماء الصادقيّة وأن أشكركم جزيل الشكر لمساهمتكم في هذه الندوة، سواء بحضوركم أو ببحوثكم أو بمشاركتكم في النقاش. وأخصّ بالشكر منسّق الندوة الأستاذ محمد صالح بن عمر.

سيّداتي، سادتي،

لقد دأبت جمعيّتنا منذ استئناف نشاطها على تنظيم ندوة فكريّة كل سنة لبحث موضوع تاريخي أو علمي أو تربوي. وتعوّد المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة”، من جهته، أن ينظّم ندوة علمية سنويّة، بالاشتراك مع مجموعة من الأساتذة الجامعيين ويهدي أعمالها كلّ سنة إلى أحد قدماء الجامعة التونسيّة. وقد كان موضوع ندوة السنة الماضية التي أهديت إلى الأستاذ محمد السويسي : “ماكتبه التونسيّون باللغات الأجنبية وعودة النصوص”

وقد رأينا أن ننظّم ندوة هذه السنة التي كانت مبرمجة من قبل، بالاشتراك بين جمعيّتنا و”بيت الحكمة” وأن نهدي أعمالها إلى روح المرحوم محجوب بن ميلاد الذي التحق بجوار ربّه يوم 11 جويلية سنة 2000، وقد ترك فراغا يعسر سدّه وخلف في نفوس أصدقائه وطلبته الحسرة والأسى لعدم إيلائه ما يستحقّ من تنويه وإشادة ومن تقدير وتكريم. على أن جمعيّة قدماء الصادقية –والحقّ يقال- قد قامت بأبسط واجب إزاء هذا الرجل الذي نذر حياته لتعليم الأجيال المتلاحقة ونشر الفكر الإسلامي النيّر، فكرّمته قبل وفاته، اعترافا بفضله وتقديرا لما بذله من جهد طيلة حياته في سبيل خدمة العلم والمعرفة.

سيّداتي، سادتي،

من المعلوم أنّ فقيدنا العزيز قد ولد سنة 1916 في منزل جميل وزاول دراسته الثانويّة في المعهد الصادقي من سنة 1930 إلى سنة 1936 ثم في معهد كارنو خلال السنة الدراسيّة 1936-1937. وبعد أن أحرز شهادة الباكلوريا بجزأيها، تحوّل إلى باريس حيث واصل دراسته العليا في اللغة والآداب العربية وفي الفلسفة إلى أن أحرز الإجازة ودبلوم الدراسات العليا في الفلسفة والإجازة ثم التبريز في اللغة والآداب العربيّة.

وعاد الشابّ محجوب بن ميلاد إلى وطنه في سنة 1948. فعيّنته إدارة التعليم العمومي أستاذا بالمدرسة الصادقيّة، حيث كلّفه مديرها الأستاذ مختار عطيّة بتدريس الفلسفة الإسلاميّة باللغة العربيّة لتلاميذ الأقسام العليا الذين كانوا يدرسون الفلسفة العامة باللغة الفرنسية. وقد بذل الأستاذ ابن ميلاد مجهودا كبيرا لتعريف الشباب المدرسي بتاريخ التفكير الإسلامي وبأعلامه البارزين من أمثال الكندي والفارابي والغزالي وابن سينا وإخوان الصفا، كما درّس الفلسفة أيضا في شعبة الباكالوريا العربيّة التي أنشأها الشيخ الفاضل بن عاشور في معهد الخلدونية.

وإثر الاستقلال عيّن الأستاذ محجوب بن ميلاد مديرا لمدرسة ترشيح المعلمين التي قضى على رأسها سنوات عديدة. وفضّل في آخر الأمر التفرّغ للتدريس والبحث في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة ودار المعلمين العليا، حيث ساهم في تعريب الفلسفة وتخرّجت على يديه أفواج متتالية من الأساتذة المتخصّصين في هذه المادّة.

وهكذا اندفع الراحل الكريم يعمل بدون كلل ولا ملل في ميادين التربية والتعليم والمعرفة. فكان مدرّسا متألقا بما بذره في أذهان تلاميذه من قيم ومعارف. وكان مفكّرا لامعا وبصيرا ومثقفا ملتزما، دافع منذ شبابه الباكر عن الثقافة العربيّة الإسلامية وسعى إلى إبراز خصائصها ومبادئها السامية في زمن كانت معرّضة فيه للمحاصرة والتطويق وناضل من أجل ترسيخ التوجّهات العقلانية وغرس القيم الإنسانية في نفوس النشء.

وفي الجملة فقد كان محجوب بن ميلاد ركنا من أركان النهضة الفكريّة والأدبيّة في تونس، بفضل ما حرّره من دراسات وبحوث في الفكر والأدب والفلسفة، منشورة على صفحات الجرائد والمجلاّت وما ألفه وأصدره من كتب وبحوث في شتّى ميادين المعرفة وما أذاعه أيضا على أمواج الأثير من أحاديث وأسمار شيّقة، نالت في وقتها استحسان المستمعين ومازال بعض المثقفين يذكرونها بمزيد الإعجاب والثناء.

وفي الختام لا يسعني إلاّ الترحّم على روح أستاذنا الجليل و تجديد جزيل الشكر إلى كلّ من شرّفونا بحضورهم في هذه الندوة التي أتمنّى لها أتمّ نجاح وأكمل توفيق.

من هو محمجوب بن ميلاد؟

محجوب بن ميلاد

( 1916 – 2000 )

  • ولد بقرية منزل جميل بجهة بنزرت في 4 جويلية 1916 وتوفي بتونس في 11 جويلية 2000 .
  • زاول دراسته الثانوية بالمدرسة الصادقية ( 1930 – 1936   ) ثم يمعهد كارنو بتونس ( 1937 ).
  • اشتغل تسع سنوات مذيعا بإذاعة تونس ثم بإذاعة باريس ( 1938 – 1947 ).
  • حصل على الإجازة ثم على ديبلوم الدراسات العليا في الفلسفة و على الإجازة و شهادة التبريز في الآداب العربية من جامعة باريس ( 1948 ) .
  • اضطلع بتدريس الفلسفة بالمدرسة الصادقية ومدرسة المعلمين منذ سنة 1948 ).
  • تولى الإدارة بمدرسة ترشيح المعلمين بتونس ( بداية من سنة 1956)
  • درس الفلسفة الإسلامية بكلية الشريعة وأصول الدين و كذلك أصول التربية وعلم نفس الطفل بمركز البحوث التربوية بتونس  ( بداية من سنة 1961 ) .
  • التحق سنة 1968 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس حيث درس الفلسفة إلى سنة 1976 ، تاريخ إحالته على المعاش.
  • من أهم تآليفه : تحريك السواكن ، ط 1 ، بوسلامة ، تونس ، 1955  – تحريك السواكن ، كتاب البعث ، تونس ، 1956 – تونس بين الشرق والغرب ، الشركة التونسية لفنون الرسم، تونس  ، 1956- تحريك السواكن ، ج 2 ، بوسلامة ، تونس ، 1960 – الفكر الإسلامي بين الأمس واليوم أو شؤون دارنا العقلية ، الشركة القومية للنشر والتوزيع ، تونس ، 1962 .

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*