قصيدتان جديدتان لريتا الحكيم – اللَّاذقيَّة – سورية

ريتا الحكيم


الموتُ، لا يَسْتهويهِ مُزاحٌ 

يُطَوِّقُني العالمُ بأصابِعِهِ النَّحيلَةِ
على حِبالِ الموتِ أنشُرُ رسائلِي بأسماءَ مُستَعارةٍ
تتنفَّسُ الصُّعَداءَ كُلَّما لَمَعَ ضوءٌ في الطَّرَفِ الآخَرِ
أقولُ للخوفِ:
توارَ واخلُدْ إلى النَّوْمِ
لا يَليقُ بِكَ السَّهَرُ
أُعيدُ قِراءةَ الموتِ مِنْ وُجهَةِ نَظَرِ الخَوْفِ
وأقولُ للرَّاحِلينَ:
توغَّلوا ولا تَستوحِشوا الوحدةَ
هُنا الوحدةُ مرضٌ عُضالٌ..
ألمٌ يَتَصاعَدُ إيقاعُهُ
لامُباليًا، يُعرِّشُ على أحلاميَ اليابسةِ
كأنْ يُصبِحَ صُراخيَ لُقْمَةً سائِغَةً في فمهِ الواسِعِ
في كلّ مرَّةٍ أجمعُ قُصاصاتِ الوَهمِ
أفرشُها على ثُقوبِ الحقيقةِ
وأتعثَّرُ بانعكاسكَ المشروخِ على جدرانِها
أنا العابرةُ إليكَ، أرجمُ الطّريقَ بدُعاباتِكَ
تَسخَرُ حِجارَتُهُ مِنْ سَذاجَتي
وتنقلبُ على ظهرِ حِكايةٍ تقولُ
إنَّ الحياةَ لا تؤمن بِتَعَدُّدِ الأمنياتِ
أجُرُّ الأيَّامَ مِنْ جدائِلِها
وأُدوِّنُ على تجاعيدِها ما يلي:
أنا امرأةٌ لا تُصلحُ إلَّا لحُزنٍ يُخَلِّفُ أبناءَهُ
على جَسَدِها
ويَتهاوى في بركةِ الأشواقِ المَيّتةِ
اليومَ عرفتُ أنَّ الألَمَ يَكتُبُني مُفرَدَةً
لا مُرادفَ لها في قاموسِ البُكاءِ
أُزيحُ عَنْ أجفانيَ أحلامًا جافَّةً ،مالِحةً
أرصفُ بها كلَّ الاحتمالاتِ بأنْ تكونَ رغبتي
في البُكاءِ، أوَّلَ الرَّغَباتِ وآخِرَها
أترنَّحُ، وفي حُضنِ الموتِ أهوي

حُبٌّ مَيْتٌ لَنْ يُحيِيَني

يَتوهُ مِنِّي طريقُ العودةِ
أدفنُ جناحيَّ الهزيليْنِ في حَلْقِ الوقتِ
وأهمسُ لهُ:
عُدْ إلى الوراءِ.. إلى حيثُ أضعتُ مَلامِحي
ربَّما ما زالتْ عالقةً بمرآتِكَ المشروخةِ
منذُ آخِرِ إطلالةٍ للموتِ منها
أفتحُ صندوقَ الذِّكرياتِ الأسْوَدَ
يرفرفُ حزنيَ العتيقُ
وينثرُ رمادَ صُوَرِهِ على أغصانٍ مُتَكَسِّرَةٍ
تغصُّ فزَّاعاتُ الحقولِ بِريقِها
وتلوذ بالفرارِ
الموتُ مفتونٌ بي، لم يَنسَني يومًا
قد أغفرُ له إصرارَه على عِناقيَ حين ينتعلُ
حِذائيَ ذا الكعبِ العالي
أراهُ مَمشوقَ القامَةِ لا يُقاوَمُ سِحرهُ
وأراني بينَ ذِراعيْهِ حقيقةً شاحِبةً خَرَجَتْ للتَّو
مِنْ طينِ الذِّكرياتِ
الذِّكريات التي تُشبهُ حُضنَ أمِّي وضفائرَها
أمدُّ لها يدي وأشهقُ
تَصدُّني وترحلُ عنِّي للمرَّةِ الثَّانيةِ
أبقى وحيدةً
أُحصي أنيني قبلَ الموتِ
وبعدَ الموتِ
وبعد كلِّ موتٍ أنفضُ عَنْ جَسَدي قمحَ الحياةِ
وأسألُ حفَّارَ القبورِ عن جُثَّتي
عَنْ صورةِ عاشِقٍ أخفيتُها في كَفَني
ليْسَ عيبًا أن أخافَ النِّهاياتِ
البداياتُ هي الأكثرُ سطوةً ورُعبًا
أتساءلُ في سِرِّي:
لِمَ وُلدتُ؟
لِمَ سأموتُ؟
أعاوِدُ الرَّكضَ إلى الخلفِ لاهثةَ الأنفاسِ
أفتِّشُ في جيوبِ الماضي ،عَنْ خيباتي
وأمضغُها مُتلذِّذَةً بِمَرارتِها
أكتبُ على هوامش النِّسيانِ:
موتٌ واحدٌ لم يَعُدْ يكفيني
وحُبٌّ مَيْتٌ لَنْ يُحيِيَني

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*