ندوة دار إشراق للنّشر ومجلّة مشارف الالكترونيّة عن الشّاعر المرحوم عبد الله مالك القاسمي :قصيدةٌ تعبقُ نبلاً وعطاءَ :زهورالعربي – تونس

الشّاعر المرحوم عبد الله مالك القاسمي

زهورالعربي

الفريق الذي شارك في النّدوة

بعد إعداد وجهد كبيرين من لدن دار  إشراق للنّشر ومجلّة مشارف الالكترونيّة واشتغال  نخبة من النقاد  المميّزين على مجاميع الشّاعر التّونسي الرّاحل عبد الله مالك القاسمي بالدّرس والبحث والقراءة والتقاط اللّحظات الحارقة نفسيّا ووجوديّا وفكريّا في نصوصه المتنوّعة الأغراض، كان اللّقاء في نزل البلفديربتونس العاصمة يوم السّبت  13\1\2013 بحضور ابنة الشاعر وبعض أفراد العائلة  والضّيوف ومحبّي الشاعر …

انطلقت فعاليات النّدوة النّقديّة بكلمة مديرة دار إشراق للنّشر  ثمّ كلمة المشرف على هذه البادرة الكبيرة النّبيلة   النّاقد محمّد صالح بن عمر ليترأس  بعدها الجلسة النقدية الأولى. وكانت البداية بمداخلة   النّاقد محمّد المي .وقد جاءت بعنوان :” عبد الله مالك القاسمي الإنسان”، تلتها مداخلة  النّاقد عثمان بن طالب وعنوانها: “جمالية الحزن في شعر عبد الله مالك القاسمي”واختتمت الجلسة بمداخلة  للنّاقدة منّوبيّة بن غذاهم قدّمتها باللّغة الفرنسيّة  وعنوانها : “قراءة في مجموعة حالات الرّجل الغائم لعبد مالك القاسمي “.

وبعد استراحة قصيرة استأنفت فعاليات النّدوة بجلسة نقدية ثانية ترأسها  النّاقد عثمان بن طالب  وافتتحها  الناقد عمر حفيّظ   بمداخلة عنوانها: “تجليّات الألم في مجموعة هذه الجثّة لي لعبد الله مالك القاسمي ،تلتها مداخلة للنّاقد   مصطفى كمال بمداخلة عنوانها :”شاعريّة الألم في مجموعة قصائد المطر الأخير  لعبد الله مالك القاسمي”.

ولم تخل النّدوة من إلقاء شعر .فقد ألقت  الشّاعرة نجاة الورغي مختارات من قصائد الشّاعر مترجمة إلى اللغة الفرنسيّة وأهدت الشّاعرة زهور العربي قصيدة حبّا ووفاء لشاعر ترك بصمة كبيرة في المشهد الثّقافيّ التّونسيّ وأغنى المدوّنة الشّعرية بأر بع مجاميع  راقية  فنّا ومحتوى دلاليّا وذات أبعاد إنسانيّة ووجوديّة عميقة.

وقبل الاختتام فُسح المجال للحضور ليناقشوا  المحاضرات التي ألقيت  أو ليقدّموا  شهادات على أحداث عاشوها مع الشّاعر أوليعربوا عن مواقفهم من  نصوصه  أو ليسترجعوا ذكرياتهم  معه  .

لقد كانت النّدوة بمنزلة قصيدة شجيّة  تعبق وفاء وعطاء وكان حضور الشّاعر عظيما برغم الغياب  ، في قصائده وفي وجدان الأوفياء وفي عيونهم الغائمة الدامعة . لقد غاص الدّارسون عميقا فلامسوا بامتياز جوانيّة الشّاعر بكلّ ذكاء وحرفيّة  ووضعوا أناملهم الحانية على قلبه النّابض حبّا ونبلا  وإنسانية والمثقل حزنا وشجنا وألما  موجعا لروحه الشّفيف  وذاته الشّاعرة .وبذلك لم يغب الشّاعر ولم يمت ، إذ كان كلّ المتدخّلين يصفون أدقّ تفاصيل روحه  الإنسانية وعمقه الفكريّ ومواقفه الأخلاقية وحتى تقاسيم وجهه وابتسامته الدّائمة وجسده  الممتلئ وخفّة ظلّه الدّائمة وعلاقته الحميمة بالأمكنة التي  يرتادها وخلافاته مع بعض معاصريه

ومع اتّحاد الكتّاب زمن الميداني بن صالح ونشاطه الثّقافيّ  المتواصل  وطنيّا وعربيّا  وانخراطه في عدّة  جمعيّات نشيطة ومشاركته في بعث مهرجان الشعر بتوزر ومعاناته التي كان يحجبها  بابتسامته الطّفوليّة الدّائمة . وقد نوّه المتدخّلون وقوف الشّاعر الدّائم والتّلقائي إلى جانب  الكثيرين من الأدباء المبتدئين ومساعدته إيّاهم على تفتّق قرائحهم   و مواصلة  السير  بخطى ثابتة في درب الإبداع  ،و إن كانت هذه الأسماء – وهي معروفة جدّا- لم تحضر هذه النّدوة للأسف الشّديد ،وبرغم غيابها وجحودها  فقد انتصر الوفاء على الموت وانتصر الحضور على الغياب وانتصر الشّعر على النّسيان …

لقد كتب عبد الله مالك القاسمي بدمه الفوّار  بمداد الرّوح ،بدموع النّرجس  فنبضت الحروف نبضا ورقصت كالطير المذبوح على الأوراق المبلّلة بفيضان الدّمع السائل من المآقي حزنا على هاجر ابنته التي اخطفها من حضنه مرض عضال  وعلى بعض أصدقائه .لقد تجرّع الرّجل كأس الفراق مرارا  وعاش يتيم الأم ولم يشبع من حنانها ولا من لبنها.. لم يكن حزنه حالة عابرة  بل كان  متأصّلا فيه يسحل صدره ويعصر قلبه المرهق ،وأجدني أتساءل في حيرة :  من كتب الآخر؟ هل الحزن كتب عبد الله أم هل عبد الله كتب الحزن ؟ومن غير الشّاعر يقدر أن   يبتلع أوجاعه  ويصلب هامته وهو يتلظّى بين سياط الحزن والألم؟ ومع ذلك لا يبوح إلاّ للبياض في خلوته بعيدا عن الأنام وبين يراعه ودواته وأنامله التي تعجن طين الأبجديّة ببراعة وتطوّع اللّغة مجازا واستعارة وبلاغة لتصلنا لواعج وهواجس وانكسارات وخيبات صادرة عن أعمق أعماق الشّاعر لكن في أبهى اللّوحات وأصدق  الأحاسيس وأرهفها.

لقد استحضر النّقاد بتأثّر شديد في مداخلتهم ذات الشّاعر المتأرجحة بين الحزن والألم والوجود  ، بين الوعي واللاّوعي ،بين الأمل واليأس ، بين الانتشاء والصّحو ، بين الأنا الشّاعرة المرهفة حدّ التّعب والآخر الذي لا يرحم ،بين كفّه المطلوقة وكفّ الحياة القاسية.  ويظلّ ثالوث الألم والحزن والوجود أهم تيمة  حكمت عبد االلّهمالك القاسمي وتجلّت في جلّ مجاميعه التي تناولها النقاد بالدّرس وتظلّ أشعاره أرضا خصبة تغري بالمزيد من  القراءة والكتابة .فقصائده مفتوحة على  ما لا يحصى من التّأويلات والقراءات ،  وما أعظم أن ننحني للنّصوص الجيّدة !وما أمتع ممتعة الكتابة عن مثل هذه النّصوص ! وكم نحن في حاجة إلى من ينتصر لها ،بعيدا عن الحسابات الضيّقة القاتلة للجمال والإبداع .

فشكرا لدار إشراق ولمجلة “مشارف”الالكترونيّة ، شكرا للنّاقد التّونسيّ محمّد صالح بن عمر الذي نسّق فعاليات هذه النّدوة ولكلّ النقّاد الذين كرّموا  هذا القلم التّونسيّ الرّاقي لكن المغموط الحقّ

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*