سبعُ بقراتٍ جياعٍ لسبعِ سنبلاتٍ عجافٍ شعر : محمّد عمّار شعابنيّة – المتلويّ – تونس

هذه قصيدة جديدة للشّاعر التّونسيّ محمّد عمّار شعابنيّة من القصائد الطّويلة التي اعتاد استلهامها من الأزمات المتلاحقة في تونس منذ سبع سنوات ،تنفيذا لمؤامرة عالميّة ترمي إلى تصدير اللّيبراليّة المتوحّشة الى بلادنا ومنها إلى بقيّة أقطار الوطن العربيّ بإغراق الدّولة في الدّيون  الثّقيلة لإجبارها على التّفويت التّدريجي في القطاع العامّ لأطراف خاصّة مرتبطة بلوبيات ماليّة أجنبيّة.

ومثلما عوّدنا عليه في قصائده السّابقة يغوص في صميم الواقع السّائد المأزوم ،مفجّرا ما ينطوي عليه من أبعاد متداخلة يختلط فيها الذّاتيّ بالموضوعيّ والسّياسيّ بالاجتماعيّ والحاضر بالماضي ،مع الارتقاء في تصويره إلى درجة عالية من الألق الجماليّ بالتّوظيف المكثّف للرّموز ووسم اللّغة بمختلف ضروب العدول.

 

محمّد عمّار شعابنيّة

 

أفيضوا على العشبِ ماءً ودفئًا

لأنّ الخِرافْ

لها ما يبرّرُ أحزانَها إذ يطولُ الجفافْ

ولي ما يبرّرُ خوفي على الحقلِ إذْ يستحيلُ الربيعْ

إلى وردةٍ في سرابٍ

ويفنى القطيعْ

وقد  مرَّ سبعٌ

فمزّقَ أوصالَ شاةٍ

ومرّتْ من السّنواتِ الثّقيلةِ سبْعٌ

فهل صارَ لي قدَرٌ أن أخافْ

على ما سيأتي

لأحرسَ حاءَ  الحياةِ

بما قد تكوّرَ في الرّوحِ مُذ فرَّ شرْخُ الش”بابْ

وحطّ الذّبابْ

على عسَل لوّثتْهُ السّياسهْ

ولم يبقَ لابنِ الضّيافْ (*)

دَواةٌ بقصرِ الرّئاسهْ

×××××

لـ ” ماغون  (**)” أنْ يحملَ الآنَ فأسًا

ويهوي على جذعِ زيتونةٍ  نخِرَهْ

قد شاختِ الشّجرهْ

وشحَّ التّرابْ

وصارَ اليبابْ

لسانَ الخرابِ الذي لا يكِلُّ

وزاغَ الخطابْ

سُدًى عندما لم يصوّبْهُ ربْطٌ وحلُّ

وحطَّ الذّبابْ

على سمَكٍ مـائعٍ في وعودِ السّرابْ

ولا شيءَ يوقفُ شجْوَ النـّدامى

لترفعَ أيديَهم اليومَ كأسًا …

وكأسًا …

وكأسًا ..

على نخبِ هذي البلادِ

وتعلو العصافيرُ..

تـُطلقُ أجنحةً في الهواءِ

عسى أنْ تلامسَ نبضَ القرى

وحـُلمَ البوادي .

×××××

كرهتُ الرّبيعَ الذي لا ترفُّ الفراشاتُ فيهْ

ولا فيه وردٌ

فأفشي عليه السّلامْ

وأضربَ لي موعدًا للكلامْ

مع اليرقاتِ الصّغيرةِ تنمو

وتولدُ منها الحياةْ ..

كرهتُ الصّقيعَ الذي

لا يناولُني قبَسًا في الظّلامْ

فيفتحَ لي عشراتٍ من العثراتْ

ويتركَني بين دربٍ ودربِ أتيهْ..

كرهتُ الدّنانيرَ ترمي مناديلَها في المزادِ

وتسرقُ من كُسْكسيِّ العبادْ ..

كرهتُ الخطابَ السّفيهْ..

كرهتُ انتخابًا مضى..

وانتخابًا بلا رونقٍ سيليهْ

كرهتُ الذي أنا لا أشتهيهْ

×××××

إذن يا أنايْ ..

إلى أينَ يمضي بك العمرُ

والعمْرُ يُحصي خطايْ

ولي في الخريطةِ شعبُ

تعجّلَ جرْيًا فأصبحَ يحْبو

ولي صدقُ أمنيتي وحنيني

وبنْتٌ وابنانِ هم وجهتي ويميني

ولي نصفُ ديني

أخبّئهمْ في لفافةِ روحي

وأحرسُهمْ بالحراكِ الذي في قوايْ

مخافةَ أن يصبحَ الوقتُ غيْمًا

وزلاّتِ ظرفٍ كسيحِ

×××××

سليلةَ قرطاجَ..

لا عثرتْ نملةٌ في ثراكْ

ولا أطفئتْ نجمةٌ في سماكْ

ولا فُتـّحتْ أعيُنٌ لا تراكْ

فأنتِ انسكابُ الأغاني

وعطرُ الأماني

وما سوفَ يخطوه دهرٌ

ولو عربدتْ فيه بعضُ الثّواني

فلا ارتاحَ فيكِ الذي يسرقُ

ولا عزَّ فيك الذي يحرقُ

ولا ذلَّ من فيك يحرسُ وردَ الجنان

لتحيى التي هي أمّي

بفينيقييها ..

وأعرابِها..

وأمازيغِها..

لها ضوْؤُها في المكانِ

وتاريخُها في الزّمانِ

×××××

هنا الآنَ سبعٌ من البقراتِ الجياعْ

يحاورْنَ سبعًا من السّنبلاتِ العجافِ :

ـ متى يُخرجُ الزرعُ شطـْأهْ

فتحملن ّحَبًّا

يعبّئُ أكمامكنَّ

وينشرُ وعدًا وعهدًا

بأنْ لا يساوركنَّ الضّياعْ

لتبقينَ رغمَ الفصولِ العقيمهْ

ـ وقد  جفُّ ضرْعُ الطّبيعةِ واصفرَّ فيها

حليبُ الحكومهْ ـ

حفيداتِ مطمورْ رومهْ..

تجيبُ السّنابلُ :

ـ يا بقـَراتُ !

لكـُنّ الذي فيه أنتـُنَّ

أرضٌ سباها الرّعاعْ

وأغمضتِ الرّيحُ فيها عيونَ الرّعاةْ

فكابدنَ ضيقًا ..

تكبّدنَ جوعًا..

ففي الجوعِ صبرٌ

وقد يطرقُ الصّبرُ بابَ الحياة ْ.

×××××

سأُبرمُ عقدًا مع الرّيحِ يقضي

  بأن لا يصافحَ خطوي

طريقًا إلى الخلفِ تمضي

وأن لا أورّطَ دقّاتِ قلبي

ـ وقد عاودتْها السّلامة ُـ

في خفقانٍ يعارضُ تخطيطَ نبْضي

لأنّي على ثقةٍ باحتياجِ الوطنْ

إلى خطوَةٍ تتوسّعُ في ألفِ طولٍ

ومليونِ عرْضٍ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)أحمد ابن أبي الضّياف: ولد عام 1217هـ/ 1802-1803، وتوفّي في 17 شعبان 1291هـ/ 29 أكتوبر 1874، سياسيّ ومؤرّخ وإصلاحيّ تونسيّ.

(**) ماغون القرطاجيّ (القرن 3 ق م – القرن 2 ق م)، قائد عسكريّ وعالم زراعيّ، اهتمّ بالفلاحة في وقت السّلم في قرطاج وكتب موسوعة ب28 مجلّدا عن الفلاحة .

 

المتلويّ / تونس في 08 و09 جانفي 2018

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*