ذكرياتي مع الشّاعر التّونسيّ المرحوم الميداني بن صالح (2):

الميداني بن صالح

 

منذ أن عرفت الشّاعر التّونسيّ المرحوم الميداني بن صالح سنة 1971 لاحظت أنّ من أبرز الخلال التي يتّصف بها روحه المرحة مثل أكثر أبناء جهته الأصليّة الجريد التّونسيّ  الذي يقع في الجنوب الغربيّ من البلاد التّونسيّة .ولكنّه يتميّز عنهم باستعماله المفرط في الحديث للألفاظ الحارفة ،  لغاية فكاهيّة ويتفوّه  بها بصوت مرتفع.

في سنة 1971 كنت أشرف أنا والنّاقد حسين الواد والشّاعر حمّادي التّهامي الكار على الصّفحة الثّقافيّة لجريدة “الأيّام”الأسبوعيّة .وقد أثارت تلك الصّفحة ردود فعل عنيفة في السّاحة الأدبيّة لأنّنا لم نكن ننشر فيها إلاّ الشّعر غير الموزون والقصص التّجريبيّة والمقالات النّقديّة التي تستخدم فيها المناهج الحديثة.

ذات يوم ،أعلمنا صاحب الجريدة المرحوم محمود الزّغني أنّ مجموعة من الأدباء بعثوا برسالة إلى وزارة الدّاخليّة اتّهمونا فيها بأنّنا ننتمي إمّا إلى نحلة من أ قصى اليسار وإمّا إلى حزب البعث العراقيّ و أنّه  تمكّن من معرفة شخص واحد منهم .وهذا الشخص كان يحرّر ركنا أسبوعيّا بجريدة “العمل” لسان الحزب الدّستوريّ الحاكم (نتحفّظ على ذكر اسمه رحمه الله)

وسرعن ما شاع الخبر في السّاحة الثّقافيّة .ولمّا كانت أسماء معظم الممضين على تلك الرّسالة مجهولين فقد برع الخيال في اختلاق بعضها منها اسم الميداني بن صالح .

وعلى الرّغم من أنّي لم أصدّق لحظة أنّ الميداني كان من أولئك  فقد التمست من الشّاعر سويلمي بوجمعة، أحد أصدقائه المقرّبين، أن ينظّم لي لقاء معه لنتّحدث في هذا الموضوع.

في اليوم الموعود التقينا بمقهى شعبيّ يوجد في الموضع الذي يتقاطع فيه نهج ابن خلدون وشارع فرحات حشّاد  وقد انضمّ إلينا الشّاعر الطّاهر الهمّامي الذي كان مارًّا من هناك مصادفة.

كان الميداني في حالة هياج يكاد ينفجر من شدّة الغضب وكان يتكلّم بصوت مرتفع، كائلا الشّتائم للذين اتّهموه وناعتا إيّاهم بالجبناء ثمّ توجّه إليّ قائلا: “ُنقدُك  أضرب به عرض الحائط وطليعتك المزعومة (كلمة حارفة ) لكن محال أن أسمح لنفسي  بالإمضاء  على تقرير بوليسيّ  حتّى ضدّ أعدائي”.فطلب منه الشّاعر الطّاهر الهمّامي أن يتكلّم بصوت منخفض  قائلا إنّ الرّجل الجالس وراءنا يمكن أن يكون عون أمن. لكنّ الميداني كان   قد أخذ الغضب مأخذا عظيما .فنهض من مكانه واتّجه نحو الرجل وجلس إلى  طاولته ثمّ قال له : ” أخي العزيز أنت بوليس؟ قل لعَرْفك (وذكر له اسم وزير الداخليّة) إنّه كذا( كلمة حارفة )وسجّلْ بالله عليك في تقريرك ما قلته لك باسم الميداني  بن صالح ” ثمّ رجع إلى مكانه.

كان الرّجل طويل القامة، ضخم الجثّة ،عريض المنكبين في حين كان الميداني قصير القامة هزيل البدن. فدخل الرّجل في نوبة من الضّحك سرعان ما انتقلت إلى بقية الزبائن.

بعد  مضيّ  فترة طويلة على تلك الحادثة كنت كلّما لقيت الميداني بن صالح  ذكّرته بها فنضحك  طويلا وبصوت عال .

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*