سلامٌ عليكِ يا قدسُ : شعر: حسن العاصي شاعر فلسطينيّ مقيم في الدّانمرك

حسن العاصي

 

يتهادى صباحُ القدسِ

على بساطٍ من سندسٍ وديباجٍ

يرقُّ من ثغرِها البنفسجُ

للعصافيرِ حينَ تصدحُ

أزهارُ النّارنجِ باكورةُ الصّلاةِ

 والمآذنُ آياتُ الخالقِ تنسدلُ

 على الكرومِ وبساتينِ التّينِ

 بالأسماءِ الحسنى

 وأكوابُ القهوةِ شرابُ البنِّ

 موّالٌ يعانقُ الشّرفاتِ العتيقةِ

 والخلخالُ أزهارُ الرّمّانِ

 

 على ضفافِ القدسِ كُتبَ التّاريخُ

 وغًرستْ أشلاءُ الكونِ

 من هنا مرَّ الآراميّونَ والكنعانيّونَ والإغريقُ

 وظلٌتِ القدسُ وجهًا طاهرًا

 معتّقا بفضّةِ القمرِ

 القدسُ لسانُ الكونِ

 فيها صُكّتِ الأبجديّةُ المسماريّةُ والآراميّةُ والسٌاميّةُ

 همسٌ ينمو على أصابعِ الصّوتِ

 وعندَ عتباتِ القدسِ تًنبتُ الكراماتُ

 فهي توأمُ الشّامِ وشقيقةُ المسيحِ

 يحرسُها الرّحمنُ

 

 القدسُ بسبعةِ أبوابٍ

 مدينةٌ مفتوحةٌ على السّماءِ

 والنّرجسُ أقراطُ القبّةِ

 تغفو عليها الملائكةُ

 جبلُ الزّيتونِ عروسٌ فوقَ هودجٍ مخمليٍّ

 والأقصى مسمارُ اللهِ في القدسِ

 والكنيسةُ مليحةٌ حسناءُ بجدائلَ

 تمتدُّ بينَ صرختينِ

بئرُ أيّوبَ بتلاتٌ بماءٍ يغسلُ الذّنوبَ

 وجبلُ المكبّرِ صدقةٌ جاريةٌ

كأنٌهُ مزمارُ الراعي

 ووادي قدرونَ سحرُ البيانِ

 

القدسُ سيّدةُ المدائنِ

 حدائقُها خطىً بلا تعبٍ

 كأنّها سجّادةُ صلاةِ

 دروبُها وسائدُ الرّوحِ تزيّنُها الحواري

 كأنٌها قبضةٌ من نورٍ

 القدسُ ريمُ القبائلِ وشامتُها

 هي القمرُ العائمُ لحظةَ الغروبِ

 بدرٌ أخضرُ

 القدسُ زهرةُ العيدِ براعمُ خمريّةٌ

 وخلفَ أسوارِها تتمايلُ

 أغصانُ التّينِ والتّوتِ

مثلَ وترٍ أثملتْهُ الألحانُ

 

 كأنٌها إنجيلُ الفقراءِ

 مرصّعةٌ بطيورِ الجنّةِ

القدسُ  قصيدةٌ لا تكتملُ بتفٌاحٍ أو محرابٍ

 هي وحدَها ترسمُ المطرَ ربيعاً

 القدسُ عروسٌ فاتنةٌ بتاجٍ من زنبقٍ

 وقلادتُها ماءُ القلبِ

 سلامٌ على تلكَ الأرضِ ونسغِها الطّاهرِ

 وًلدتْ لتظلَّ نبوءةَ الشّرفِ

 وللإباء إيوانًا

 

 منذُ نيّذف هاجرتْ أمواجُ القدسِ بحرَها

 بكتِ النّوارسُ

 احتضرَ النّهارُ والضّوءُ رحلَ

 وتجرّعتِ القصيدةُ قبرَها

 خلفَ أسوارِ الزّوالِ

المبعدونَ وحدَهم خطىً تائهةٌ

 يقينٌ يحتضرُ

 وأثوابٌ معلّقةٌ في السّماءِ

 والنّساءُ تكابدُ الوجعَ

 ويمرّغُهنَ الأنينُ فوقَ خطوطِ الوحلِ

 ينامونَ وهنَّ يمضغنَ

 الحسرةَ والأحزانَ

 

 خلفَ عباءةِ البياضِ

 تتوارى مآثرُ التّرابِ المتوقّدِ

 يجتثُّ أغصانَ الماءِ

 كأنّما المسجدُ لا عاصمَ له

 كالشّرفاتِ المهجورةِ

 عناكبُ بلّوريّةٌ تنزفُ حمماً

 اضغطوا على الرّيحِ أيّها المسلمونَ

 يدخلِ الملحُ الأسودُ جوقةَ الموتى

 ابكُوا كفَّكم وألقوا حزنَكمْ

 جهاتٍ للإيمانِ

 

 أضحتِ المدينةُ قلباً حزيناً

 بضفائرَ من عصافيرَ

 وشراعٍ مبعثرٍ يمتدُّ جدائلَ من دمٍ

 عندَ حافةِ الوقتِ المشروخِ

 تتقشّرُ الجدرانُ في وحشةِ الضّياءِ

 ويغفو الظّلُّ على وشمِ الماءِ

 عناقيدُ ملحٍ تصافحُ الموتَ

 في جبِّ الظّلامِ

 تفرُّ الدّروبُ تلفظُ يهوهَ

 تسيلُ أسفارُ الذّبحِ من الثّقوبِ السّوداءِ

 كالثّوبِ الضّريرِ يلتحفُهُ الشّيطانُ

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*