يؤلمني ما زالَ خدّي:شعر: حسن العاصي – شاعر فلسطينيّ مقيم في الدّانمرك

حسن العاصي

 

وأنا طفلٌ

كان والدي يضربُني بيديْهِ

كلّما عانقتُ في سفرِ الحكايةِ

خلخالَ سندريلاَ

وكتابي المدرسيُّ مغلقٌ

يضربُني حينَ أجري خلفَ حلقاتِ الضّوءِ

أو حينَ أغسلُ وجهَ الصّباحِ

من اكتظاظِ العسفِ

يضربُني أكثرَ إن نسيتُ وجهي معلقًا

على النّافذةِ

وكلّما لمستُ ذيلَ الصّلصالِ المولودِ

معلّمي في المدرسةِ ضربني

حينَ أيقظتُ الغيومَ العابرةَ

ورسمتُ على الجدارِ ساقية

وطردَني

 حينَ أدخلتُ الغابةَ الكسيحةَ إلى الصّفِّ

خرجَ منها شجرٌ شاحبٌ بلا ساقينِ

ومرّة جذبتُ الشّاطئَ المبتورَ

نحوَ مركبي الورقيِّ

 وأغلقتُ البحرَ

قالَ لأبي :” ابنكَ مجنونٌ”.

حتّى أمّي كانت ترميني بالحذاءِ

كلّما صنعتُ من الوسائدِ خيلاً

أو تعثّرتْ أصابعي بالعشبِ

كنتُ أنثرُ الفراشاتِ

على مسافةِ القمرِ القريبِ

فتصفعُني حتّى ينحبسَ الضّوءُ

وتتوارى عيناي كأجنحةٍ تائهةٍ

خالي الذي يدلّلُ ابنَهُ

يضربُني كلّما جدّدَ البيعةَ نفاقاً لوالدي

وكلّما هيّأتُ وقتي المرتبكَ

كي أمتطيَ ندوبي

الشّرطيُّ ضربني حينَ كذبتُ مرّةً

وقلتُ :”عصفَ الوباءُ بالمدينةِ”.

بالسّوط مرّة أخرى ضربني

لأنّني صرختُ :”شاخَ الملكُ”.

في موكبِ الجنائزِ

حينَ رفضتُ الصّلاةَ أوّلَ مرّةِ

جلدَني أبي بحزامِهِ ثمّ بكبْلٍ مجدولٍ

كان والدي شيخاً

في أوقاتِ الصّيامِ

يرمونَ لي ما فاضَ عن بطونِهمْ

يقولونَ:” لا يصحُّ صيامُنا لو جلستَ”.

كنتُ قزحيَّ المزاجِ

ألهو مع خدودِ السّماءِ

أخلدُ للنّومِ على صدرِ زهرةِ الحبقِ

وأنسى الجوعَ والطّعامَ وألمَ الضّربِ

كرهتُ أبي ومعلّمي وخالي

كرهتُ الشّرطةَ ودربَ المقابرِ

لكلِّ عصًا جريرةٌ

وهذه خطيئتي

أطعمتُ توتَ قلبي لجارِنا اليتيمِ

سلكتُ دربَ اللّيمونِ

ورحلتُ في الوقتِ الحامضِ

لم أبرأْ من ذنوبي

ما زلتُ أكرهُ الطّعامِ

ويؤلمُني ما زالَ خدّي

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*