انفعالاتٌ مطلوبةٌ من السّماءِ : شعر : ليلتل لدي هيبون – شاعر من جزيرة قوادلوب مقيم بباريس

ليلتل لدي هيبون

 

 

أحيانًا

يكونُ الصّمتُ

هذه اللّوحةَ

التي أرسمُها

عندما أغرَقُ

في ماءِ خِلْقتي السّقيمِةِ

فأتعلّمُ

عندئذٍ

البكاءَ

وحيدًا

على وقعِ

غلظةِ

الطّفلِ- سيّدِ الشّمسِ

الذي أضاعَ

عشَّ حبِّهِ

في الطّريقِ.

***

هذه هي الحياةُ:

صراعٌ لا يني

ضدَّ الذّاتِ

لأجلِ أن يكونَ المرءُ هناكَ

هناكَ ليسَ إلاَّ

مع الرّملِ السُّخْنِ

لحافًا

ومع الولادةِ الجديدةِ

والماءِ المالحِ

التي تخلِّدُ معًا

سُنّةَ

الأشياءِ البسيطةِ

ومع البقاءِ

قريبًا من الأرضِ،

تلك التي تبعثُ فيَّ الفخرَ

وتجعلني قريبًا

من واقعِ النّاسِ،

تأسّيا بالإنسانِ العاديّ

الذي لا يطلبُ من الحياةِ

إلاّ أن تمنحَهُ الكلماتِ

ومن السّماءِ

إلاّ أن تجودَ عليه بالانفعالاتِ.

 

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر :

 

مرّت عدّة سنوات على مغادرة صاحب هذه القصيدة مسقط رأسه جزيرة القوادلوب  – وهو في سنّ  اليفاعة  –  وحلوله بباريس .وهذه الفترة  الطّويلة قد اكتسب فيها ، في ما يبدو، شيئا من النّضج يلوح في انتقاله من الخطاب الشّكائي الذي كان متولّدا عمّا كان يتعرّض له  ، على حد قوله، من ظاهرة كره الأجانب في ذلك المحيط الحضريّ  المترامي الأطراف ، تلك التي لا تزال عالقة بذاكرته (أتعلّمُ عندئذٍ/البكاءَ /وحيدًا/ على وقعِ/غلظةِ/ الطّفلِ- ابن الشّمسِ/ الذي أضاعَ/عشَّ حبِّهِ/ في الطّريقِ. ) إلى التّفكير في الحياة والمصير .وهو تحوّل لم نعهد مثله  في شعره من قبل ، نحن الذين تابعناه منذ خطواته الأولى في سنة 2009.

فمنذ البداية مضى في مساءلة بالغة التأثير عن منزلته في هذه الدّنيا .وذلك بالنّظر عن قرب و على نحو مباشر في عالمه الدّاخليّ (يكونُ الصّمتُ/هذه اللّوحةَ/ التي أرسمُها/ عندما أغرَقُ/في ماءِ خِلْقتي السّقيمِةِ).وقد وجد في تجربته ما يكفي من الشّجاعة للاعتراف بعيوبه  (خِلْقتي السّقيمِةِ) ،مع تبنّي رؤية واقعيّة للذّات .وهي أنّه رجل عاديّ (مع البقاءِ/قريبًا من الأرضِ،/تلك التي تبعثُ فيَّ الفخرَ/ وتجعلني قريبًا/من واقعِ النّاسِ،/تأسّيا بالإنسانِ العاديّ) .وهي – والحقّ يقال- رؤية نادرة الوجود عند الشّعراء ، أولئك الذين يحسّ أكثرهم تواضعا بأنّهم أرقى من عامّة النّاس إمّا  لما يرون أنّه إلهام ينزل عليهم من عل وإمّا لما  يتمتّعون به في نظرهم من قدرات تخيّلية عالية  .ومعنى كلّ ذلك أنّ من تماهى مع الإنسان العاديّ لا يمكن أن يكون شاعرا.

وزيادة على ذلك ينسب الشّاعر إلى نفسه  مكوّنين من مكوّنات الشّخصيّة متقابلين لكن متكاملين هما : القدرة التّواصليّة  على سطح الأرض والإيمان بالخالق (الإنسانِ العاديّ/ الذي لا يطلبُ من الحياةِ/ إلاّ أن تمنحَهُ الكلماتِ/ ومن السّماءِ/ إلاّ أن تجودَ عليه بالانفعالاتِ).وامتلاك هذين  المكوّنين معا يتطلّب ، في تقديره،تحكّما تامّا في الذّات بخوض صراع متواصل ضدّ العادات الشّخصيّة  السّقيمة (هذه هي الحياةُ:/صراعٌ لا يني/ضدَّ الذّاتِ).وهكذا تتبدّى من هذه الصّورة التي رسمها الشّاعر لنفسه ذات تخوض بحثا عسيرا عن حياة مثاليّة  قوامها التّوازن بين الواقعيّ  المعيشيّ والروحيّ.فهل  حقّق هذا التوازن ؟ أم هل هو لا يزال يصبو اليه؟

أمّا الأسلوب المتوخّى في هذه القصيدة فهو لا يشذّ عما عوّدنا به صاحبها من اعتماد الشّكل المستطيل النحيف المتولّد عن تقصير الأبيات المفرط  والحوار الدّاخليّ والتّحليل النّفسيّ الذّاتيّ .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*