ولادةٌ أخرى أو روايةٌ سيمونَ :الفصل الثّاني من رواية بعنوان: تحتَ سماءٍ تحترقُ لمحمّد بوحوش – توزر – تونس

محمّد بوحوش

 

كانت سيمون بالنّسبة إليّ لغزا وعالما خاصّا. منها تعلّمت معنى أن يكون الإنسان، وبها أشرقت لي بهجة الحياة. كنت أتألّم متذكّرا لحظات الوداع، ولم يكن ثمّة من وداع بيني وبين سيمون. تركتها حافية القلب تنزف بين حضور وغياب. لم تكن هي تصدّق رحيلي عنها، كما لم أكن أنا أصدّق بأنّني تركت خلفي سيمون. فهي من علّمتني الحياة ومعنى إنسانيّة الإنسان. طفت معها أرجاء الفرح وزوايا الخيال. قالتني وقلتها، ثمّ مضى كلّ منّا إلى كونه الخاصّ، إلى أن حان الموعد الذي لا بدّ أن أروي فيه قصّة سيمون.

حين أشعرني والدها بخبر وفاتها، تلعثمت وغمغمت، وأحسست بالضياع، ولم يكن لي من ملجإ سوى ملفّاتها الألكترونيّة التي أرسلها لي والدها مرفقة بخبر احتمال وفاتها. تفنّنت في ترجمتها إلى اللّغة العربيّة، وكتبت كلّ تدوينة، وكلّ فصل من فصول جحيمها وأفراحها. وحينما أنهيت رواية سيمون خلال شهر تقريبا، أعدت قراءتها، فقلت لي: “لم أكن أكتب رواية حول شخصيّتها، بل كنت أكتب الألم، ألم الإنسان في الشّرق والغرب”.

الحقيقة أنّني كنت أحبّ سيمون كما أحبّتني، ولم أكن أتصوّر حجم الألم الذي سيسبّبه فراقها يوما. ولكنّي كنت أمينا لوصيّتها كما هي، ولم أتدخّل في تعديل ما كتبته من تدوينات. كنت مجرّد ناقل أو مترجم، أو محرّر لرواية أسعفني الحظّ بأن أكتبها لتكون شاهدا على عصر عجيب.

بعد أن أنهيت رواية سيمون وصارت جاهزة،  كان لا بدّ لي من أشكر والدها وأواسيه. فانزويت ذات يوم بربوة في توزر بتونس تسمّى رأس العين، حيث كان أبو القاسم الشّابيّ يجلس في بداية القرن العشرين، ويكتب قصائده. فتحت حاسوبي المحمول، وكان الوقت مساء والفصل شتاء، ثمّ كتبت رسالة إلى السيّد ألبرت ميلون وايلز، والد سيمون، قلت فيها:

“تحيّاتي يا سيّدي ورفيقي. شكرا على أنّك أشعرتني بالخبر المرّ. إنّها فاجعة حلّت بنا جميعا، وأتمنّى ألاّ تكون يقينا. قلبي معكم، ولن أنسى سيمون، كما لن أنسى إقامتي بينكم واحتضانكم لي كصديق. في انتظار ما قد تأتي به الأخبار من جديد، أشدّ على يدك بقوّة، أخوكم محمّد”.

حين أنهيت الرّسالة طافت في ذهني أفكار متناقضة. ترى هل كانت سيمون تلمّح لي بنهايتها؟ أ كان حادثا إرهابيا، أم اغتيالا؟ ثمّ لماذا لم تتواصل معي ولم تجب عن رسائلي إليها؟ ولماذا كان هاتفها الجوّال مغلقا دائما؟ إنّ مؤشّرات عديدة تدلّ على أن سيمون تعرّضت فعلا لسوء، لكن لم يبلغ بي الظنّ إلى حدّ وفاتها. أعرف أنّها امرأة مغامرة ومجنونة أحيانا، لكنّها كانت قويّة ومتحدّية، ومتلهّفة للحياة ومقبلة عليها، رغم ما عانته في الرقّة والموصل. لقد شعرت بأنّها كانت منكسرة بعد عودتها إلى لندن. كنت حين أعانقها تغيب أحيانا، وتشرد في براري أخرى حتّى تعود مرتبكة من كوابيسها. إنّ هول ما شاهدته يهدّ الجبال فكيف لا تتأثّر وتنكسر كامرأة لا تخلو شخصيتها من لحظات ضعف وخوف وانهزام؟ لقد لاحظت عليها مسحة من العبثيّة والعدميّة، والسّرياليّة المرّة إذ لم تعد تؤمن بشيء تقريبا، فقد انهارت أمامها كلّ قيم العالم الذي يزعم التمدّن والتحضّر، وشهدت أكبر الفظاعات في دولة الخلافة الإسلاميّة، فظاعات كانت ترتكب باسم الدّين. خمّنت كثيرا إلى أن استسلمت إلى الخبر اليقين، خبر نهاية صديقة وحبيبة.

“لقد مضت سيمون من دون رجعة”، قلت لي، وعليّ أن أتناساها وأشقّ حياتي في زحمة هذا العالم القبيح.

في أواخر شهر فيفري من سنة 2017، وتحديدا ليلة الخامس والعشرين منه، حمل إليّ البريد رواية الحياة في منتهاها. اختليت بي في غرفة النّوم، وشرعت في تصفّحها فصلا، فصلا. كانت ذات إخراج أنيق. رفعتها بيدي وقلت: “سلاما على روح سيمون. لقد كنت أمينا لوصيّتها بعد أن كتبت روايتها ونشرتها”.

كانت الصّفحة الأخيرة مذيّلة بعبارة: “أنهيت تخليدا لذكرى حبيبة ليست غربيّة ولا شرقيّة، سيمون الحقيقة والإنسان”.

ما إن جاءت السّاعة السّابعة مساء حتّى شعرت بوهن في أطرافي. حاولت أن أستجمع قواي، ثمّ نهضت لأعدّ لي قهوة تليق بضيقي وانقباضي ومسائي الحزين. فكّرت كثيرا بسيمون. طافت بي الذّكريات بعيدا إلى أوّل لقاء لي معها في لندن. ها أنا أسترجعه، كما لو كان يحدث لي للتوّ.

زرت ذات ربيع من سنة 2015 المملكة المتّحدة، حيث قضّيت إجازتي هناك لمدّة شهر.كنت في حديقة’biddulph grange’، بستافاردشاير، وهي حديقة ساحرة مصمّمة على الطّراز المميّز للحدائق الصّينيّة. بها معبد جميل ذو لون أحمر يطلّ على بركة مائيّة جميلة، وجسور خشبيّة منحوتة. وبها أيضا أقدم شجرة من الصّنوبر الذّهبيّ. هذه الحديقة الرّائعة التي صمّمها الرحّالة البريطانيّ جيمس بيتمان. جلست في المساء على مقعد خشبيّ في الحديقة ذاتها، وكنت أطالع كتابا باللّغة الأنقليزيّة لفريديريك نيتشه: ‘هكذا تكلّم زرادتتشت’، ‘Thus spoke Zarathustra’،  كنت منهمكا في قراءة الكتاب، سارحا في أفكار بعيدة. فجأة مرّت أمامي فتاة أنقليزيّة. كانت تعبر المسلك المؤدّي إلى قلب الحديقة. ما إن تجاوزتني بقليل حتّى رأيتها تهمّ بالتقاط نظّارتها التي وقعت على الأرض. انحنت قليلا، ثمّ تعثّرت، ووقعت على وجهها. أسرعت إليها لأساعدها على النّهوض، فمسكت بيدها، وحاولت أن أنفض بعض الغبار الذي علق بقميصها. وقفت شاكرة، وهي تقول:

-I beg your pardon,Thank you very much,you’re a smart man.

(عذرا. أشكرك جزيلا. أنت رجل ذكيّ)

فأجبتها:

– I answered :it’s my duty.

(إنّه واجبي).

ابتسمت في وجهي، وهي تنتبه لعنوان الكتاب الذي أحمله، ثمّ سألتني:

من أيّ بلد أنت؟

فقلت:

– من تونس.

ازدان محيّاها بفرحة ما، وفاجأتني بردّ باللّغة العربيّة الفصحى:

– إنّها بلد جميل…

وأضافت:

– أراك تقرأ كتابا لنيتشه.

– أجل، أحتاج أحيانا إلى إثارة عقلي ببعض الأفكار الفلسفيّة.

– نعم،جميل، هل تسمح بأن أجلس معك قليلا؟

– بالطبع… تفضّلي.

جلست حذوي، وهي تقول:

– الحقيقة أنّني لا أحبّ مثل هذه الكتب، كما لا يحبّها أغلب النّاس في الغرب، عدا المختصّين منهم. أعتقد بأنّنا لم نعد بحاجة إلى الميتافيزيقيا والفلسفة، والكلام العامّ الفضفاض. الغرب تسيطر عليه نزعة عمليّة واقعيّة. النّاس هنا تستهويهم الكتب القريبة من حياتهم، أو تلك التي تستثير خيالهم، مثل الرّوايات وبعض الشّعر القريب من وجدانهم وتفاصيل معيشتهم. وأنت ماذا ترى؟

– أنا أيضا  لا أميل  لقراءة مثل هذه الكتب، لكنّي احتجت فقط إلى زوبعة فكريّة، وضروة تنمية معجمي في اللّغة الأنقليزيّة، فأقبلت على إعادة قراءة كتاب فريدريك نيتشه.

سكتّ قليلا ثمّ قلت:

– هل لي أن أتعرّف إلى حضرتك؟

فأجابت:

– سيمون وايلز، أشتغل صحفيّة بلندن، وطالبة في اللّغة العربيّة بمعهد أكسفورد. أهتمّ كثيرا بالشّرق، وأقوم بتحقيقات للجريدة. وحضرتك؟

– محمّد التّونسيّ. هذا هو اسم شهرتي. أنا كاتب أهتمّ بالشّعر والقصّة والرّواية.

– جميل جدّا، كاتب… أنت حتما تتقن لغتك الأمّ، وذو دراية واسعة باللّغة العربيّة. أنا أحتاج إلى صديق بهذه المواصفات، وأعتقد أنّ الصّدفة قد أسعفتني بالتعرّف إليك.

– يسعدني ويشرّفني هذا سيّدتي. إنّها صدفة جميلة حقّا.

– طيّب، ما دمنا قد أصبحنا صديقين، ما رأيك لو نتناول معا قهوة؟.

لم أتردّد في مرافقة سيمون إلى مقهى “نيو كافّي” بلندن. جلسنا معا ودار بيننا حوار طويل. أذكر أنّها سألتني: ماذا تعني لك الإنسانيّة؟ ، ارتبكت، وسرعان ما انطلق عنان لساني قائلا:

– الإنسانيّة هي مقام ومعنى مطلق لصفات في الإنسان. ميزاتها السموّ والرّفعة، والتجرّد ممّا هو ذاتيّ وخصوصيّ، كاللّغة والجنس، والدّين والثّقافة. إنّها معانقة الإنسان في مفهومه المطلق، متجسّدة في قيم كونيّة، أهمّها المحبّة والتّضامن والسّلام والحرّية والعدالة… لكن من الصّعب أن نحافظ على ما هو إنسانيّ فينا. فمصطلح إنسان يعني أساسا الرّقيّ إلى مرتبة سامية، تزول فيها كلّ حدود الجغرافيا والانتماء. لقد تشكّل مفهوم الإنسان عبر مسار تاريخيّ طويل، بعد حروب وصراعات ودماء، ومنذ تخلّي النّاس عن غرائزهم البدائيّة وانغلاقهم في حيّز زمكانيّ محدّد.

في ذاك المساء، أذكر جيّدا كيف قامت سيمون من كرسيّها، ومالت عليّ ثمّ قبّلتني قائلة:

– رائع، رائع حقّا!. لقد وجدتك، لقد وجدتك!.

كانت تنتفض أمامي مرحة، كما لو أنّها عثرت على الحقيقة، أو اكتشفت قانونا ما في الطّبيعة. دخلت معها في نقاش آخر حول الشّعر، والصّحافة، ومسألة الاستشراق، وغير ذلك من الموضوعات. كانت السّاعة الثّامنة مساء حين استأذنت للانصراف وهي تواعدني  بلقاء آخر مساء الغد في المكان ذاته.

انصرفت سيمون، وبقيت في المقهى وحدي شارد الذّهن، حائرا، ولسان حالي يقول: “أيّ هبة هذه التي سقطت عليّ من السّماء؟ ماذا لو تجاهلت تعثّرها ولم أقم بنجدتها؟ ماذا لو لم أذهب إلى الحديقة؟ أيّ صدفة جميلة جعلتني أكتشف إمرأة لندنيّة رائعة وساحرة؟”.

كانت سيمون فتاة شقراء في مقتبل العمر، طويلة القامة، رشيقة، ترتدي سروال جينز وسترة زرقاء. شعرها ذهبيّ مرسل الخلف. مرحة، ومقبلة على الحياة بشغف ولهفة. تتطلّع إلى ما هو كونيّ وإنسانيّ. فتاة مثقّفة ومولعة بمهنة الصّحافة وبالأدب. تبدو جريئة، شجاعة، ومغامرة. تتميّز روحها بالخفّة والبشاشة وحبّ الاكتشاف. وكنتُ ضائعا وغريبا حتّى تعثّرتُ بها فكان ما ينبغي أن يكون…

كلّما ذكرتها أصبت بغزوة. كانت كونا من الأحلام والفرح، والمبهجات.كأنّها الآن ماثلة أمامي: لحفيفها صدى كخطوات الماء. حمحمة مهرة شقراء. أنين بعيد، قريب. صرخات جذلى. كان دمي يركض على  صهيل جسدها الغضّ. فأدخل في غيبوبة ليل اللاّمعنى متعتعا بالوجد، ممعنا في الوصف: نهدان منتصبان، وحلمتان نافرتان سعيدتان، مشرئبّتان نحو مستقبل الرّغبة. إبطان زهريتان تقودان إلى الهلاك والنّعمة. أنفاس لاهثة متسارعة، حرّى، متأهّبة تنطق بالجحيم. سرّة ناتئة، وفخذان صقيلان، يتلألآن بحبّات المطر الدّافئ. بينهما ياقوت أحمر ينبئ بالخطيئة والكفر. مرج مثّلثها البرموديّ لمّاع ، متعرّق، موشّى  بزغب أشقر في الأعلى ومفتوح على أبد اللّذّة. كانت سيمون تنام على بطنها فتلوح  لي تلّتها النّافرة المشقوقة إلى بعدين. كانت ماطرة في كلّ مرّة. تتعرّى أمامي كغزالة شقراء في طقس شهوانيّ  وحشيّ. أفنى فيها مرارا وأهلك. أصحو وأقف منتصبا فأقول في قرارة نفسي: ” أيّ تهلكة أمامي، أيّ فردوس، أيّ فحيح، أيّة نعمة ونوافير أنين؟. في كلّ مرّة  تفنيني العاصفة  ويكون موتا حتّى نهاية الرّعشة… فأواصلني معها في سرد متقطّع، ممتع…

مرّت من إجازتي في لندن أيّام كثيرة،كنت خلالها رفقة سيمون. تعارفنا جيّدا إلى أن صرنا صديقين متلازمين، بل صرنا روحين في روح واحدة. حين كنت أحدّثها عن تونس بأناسها وطبيعتها، كانت تشتاق وتستمتع بذلك، وتتمنّى لو أنّها تكون ضيفة عليّ في يوم من الأيّام. لقد اعتبرت عثوري على سيمون والتعرّف عليها ولادة جديدة.

ذات صباح أحد، قبل مغادرتي لندن بيوم واحد. ونحن نهمّ بالانصراف من مقهى “نيو كافّي” أعطتني جذاذة ورقة حمراء كتبت عليها ما يلي:

كن مغامرا في حياتك،

لا تتردّد، فالحياة مجرّد مصادفة،

أو مجرّد لقاء عابر.

ارم بحصى في النّهر

سيتشكّل لك معنى،

ارم بفكرة طائشة في حقل

ستنبت لك زهرة.

ارم بصنّارة في البحر،

فأنا رميت بصنّارتي في بحر…

رميت فعلق بها حوت نادر.

الحوت ذاك أنا اصطدته وسميّته

حوتا صديقا،

سمّيته ببساطة محمّد.

الحقيقة أنّني لم أكن في يوم ما طعما، ولا حوتا اصطادته سيمون، بل كنت إنسانا هائما في شوارع لندن وحدائقها. كنت… إلى أن عثرت  صدفة  على نصفي الآخر، الذي وجدت فيه الإنسان روحا وجسدا وعقلا. طفت في بلدان شتّى باحثا عمّن يشبهني، حتّى كان اللّقاء العاصف الذي جمعني بسيمون.

أنهيت شرب قهوتي وأنا أحاول الهروب من ذكرى سيمون وإعادة صورتها إلى رفوف الذاكرة. شعرت بحمّى تغزر جسدي في ذاك المساء الحزين. تدثّرت وتمدّدت على الأريكة، فاستسلمت لإغفاءة قصيرة. تمكّن منّي الهذيان، فرأيتني طائرا عملاقا بجناحين كبيرين أهيم في الفضاء، وأحوم حول غابة تتصاعد منها النّيران، وفي وسطها سيمون تصرخ مستغيثة بي. كنت أرفرف فوق سعير اللّهب والدّخان، محاولا في كلّ مرّة النّزول إلى الغابة، والتقاط سيمون بجناحيّ. إلى أن نجحت في الإمساك بها والطّيران بعيدا، وأنا أفكّر في أيّ أرض يمكنني أن أحطّ بها فننجو.

أفقت بعد موجة الهذيان والحمّى. تناولت دواء مسكّنا ثمّ جلست على الأريكة منتظرا ما سوف يأتي.كان ذلك يوم 27 من شهر فيفري من سنة 2017، الإثنين تحديدا. كان الكابوس الذي أقلق غفوتي غامضا، يراوح بين الحلم والواقع وبين المستحيل. قد ييأس الإنسان أحيانا من طرق أبواب مغلقة تماما، ليس بوسعه فتحها. لكن قد يحدث المستحيل، وها هو يحدث بالفعل.

ما الذي جاء به المساء الصّادق الكاذب، العاطل عن الأمل؟ ما هو الخبر اليقين؟ لا أدري أكنت فارغا أم ممتلئا كإناء يرشح حزنا.

في السّاعة السّابعة وأربعين دقيقة سمعت طرقا خافتا على باب منزلي. فكان الذي لا يمكن أن يكون، حقيبة رماديّة على عتبة الباب، وسيمون تقف بلحمها ودمها. ظلّت هي شامخة كشجرة سرو، فيما سقطت أنا على عتبة الباب. اعترتني غيبوبة ودوار ثقيل. ها قد عادت من ظننت أنّها كانت ضمن المفقودين، من اعتقدت أنّها رحلت من دون رجعة. كنت بين يدي سيمون ضعيفا، خاويا، متهاويا، وشبه غائب عن الوجود، غير مدرك للميلاد الجديد. مزيج من الفرح والصّدمة والحزن. شعور لا يوصف، ومدار آخر من الغرابة والعجب. كنت؟ وهل كنت فعلا؟

– قالت سيمون، وهي تتأمّلني مبتسمة: “ها قد عدت إليك بميلاد جديد… لنبدأ معا فصولا أخرى…”

ساعدتني سيمون على الجلوس، وجلست بقربي. أخذت الرّواية بين يديها. تأمّلت الغلاف طويلا، ثمّ تصفّحتها. قرأت آخرها، ثمّ قالت مبتسمة: “لماذا قتلتني يا محمّد؟… لماذا؟…”.

لم أكن أدرك شيئا… لم أدرك سوى أنّني كنت مُنْزَرِحا*

————

* المنزرح: (اشتقاق لغويّ من ابتكار الكاتب):هو الشّخص الذي يجمع بين شعورين متناقضين يتراوحان بين الفرح والحزن في آن معا.

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*