دليلُ السائحِ إلى الموصلِ : شعر : عبد الله سرمد الجميل – شاعر من العراق

عبد الله سرمد الجميل

 

إذا دخلْتَ فأغمضْ عينَكَ اليُمنى                    

إذ إنَّ ( أيمنَها ) يدمي لك الجفنَا

وإن مشيْتَ على الأنقاضِ، لا وَجَلٌ

بأنْ تُمَدَّ يدٌ مَنسيَّةٌ قَرْنَا

ولن تتيهِ فهذي الأرضُ صائرةٌ

محذوفةَ الأفقِ؛ أقصاها كما الأدنى

ولو صرخْتَ: حُمَاةَ الدّارِ أينَكمُ

لعادَ فيكَ الصّدى: إنّا لقد خُنّا

هل تسألونَ عنِ الآثارِ؟ أوجهُنا

آثارُنا، صوِّرُونا وانشُروا الحزنا

ما في المدينةِ حيٌّ غيرُ دجلتِها

ويُوشِكُ الماءُ أن يبنوا لهُ سجنا

أمسى نُهَيْراً وأسماكاً ملغَّمةً

وضفّتاهُ عجوزاً أُشبِعَتْ طعنا

إليكَ أشكو إلهي ثُلَّةً حكمُوا

شعباً مريضاً فما كانوا لهُ عونا

أهلَ اللحى والعِماماتِ التي عُبِدَتْ

بل إنّهم سرَقوا أسماءَكَ الحسنى     

حتّى الهواءُ ولو كانَ الهواءُ لهم

لعلّبوهُ وكالُوا شعبَهم وزنا

فأخرجونا عراةً من منازلِنا

إلاّ الضميرَ الذي هيهاتَ أن يفنى

متى نعودُ؟ سؤالٌ ظلَّ يسكنُنا

وحينَ عدْنا رأينا بيتَنا طينا

قالوا: الحكومةُ تبني أرضَكم مدناً

وتنشُرُ العدلَ والخيراتِ والأمنا

عجزُ الحكومةِ عجزٌ لا تقومُ بهِ

فدَلِّكوهُ وصُبُّوا حولَهُ دُهْنا

كم غيّبوني وظلّي هزَّ مضجَعَهم

وهدّمتْ كلماتي فوقَهم حِصْنا

أنا سليلُ البياضِ، الغامضُ الأزليّ..

لي معَ الليلِ حلمٌ هادئٌ يُبنَى

الزائراتُ بقلبي ما أردْنَ سوى

حبلِ النّجاةِ وقد أغرقْتُهم ظنّا

أحتاجُ لامرأةٍ تمشي فتُسنِدُها

أيدي الهواءِ فتُضفي للهوى معنى

وحيثما جلسَتْ فالكونُ متّزنٌ

والعشبُ يعرَقُ، يُهدي قلبَها لونا

تُقاسِمُ البحرَ ألوانَ الغيابِ كما

تشيرُ للهامشِ المظلومِ: كنْ مَتْنا

كأيِّ طفلٍ رمَتْ للشّمسِ وانتظرَتْ

سنَّ الغزالِ لكيما تنتشي حُسْنا

في ساعةِ العصرِ يبدو الحزنُ أحمقَ، ما..

لئاً فناجينَنا الدّمعَ الذي غنّى

هذا الحديدُ صفاءٌ خادعٌ، قلقٌ

يؤثّثُ الوقتَ، عينٌ قد ذوتْ وسنى

هذا السحابُ كأنفاسِ الهشيمِ، تُرى

أيّانَ تلمسُ في أعصابِكَ القُطْنا ؟

يوماً ستطحنُ نجماتٍ وتنثُرُها

منامَ كشفٍ بهِ قيسٌ بهِ لبنى

الوردُ للوردِ والشّلّالُ لا رئةٌ

مقروحةٌ فعسى أثمارُنا تُجنَى

أشجارُكِ الجمرُ والطُّوفانُ فضّتُنا

والقُبّراتُ ارتديْنَ الصّبحَ والغصنا

إنّ السّتائرَ موجاتٌ بها مرحٌ

وبعضُ أفراحِنا لا يُحسنُ اللّحنا

كالبرتقالِ بلذّاتِ الخفوتِ دنَتْ

تُقاربُ الجسدينِ: الضَّعْفَ واللِّيْنا

أرى المدينةَ أشباحاً معلَّقةً      

على الجسورِ وريحاً تُرمِدُ العينا

خلفَ الوجوهِ وجوهٌ فرطَ ما هلَكَتْ

تصيحُ بالموتِ: هيّا، اقتربْ، خذْنا

أقصى مُناهم مكانٌ يُدفَنونَ بهِ

ولا ضِرارَ إذا ما أجّلوا الدّفنا

يا كِسْرَةَ الخبزِ حلمٌ أنتِ راودَهم

وربّما مضَغُوا من جوعِهم صحنا

هم أطعموا الموتَ أجيالاً وذنبُهمُ

حبُّ البلادِ فما أوفَتْ لهم دَيْنا

هم طيّبونَ، كَفافُ اليومِ رزقُهمُ

فكم غريبٍ هنا كانوا له حِضْنا

هم ساذَجونَ فزُرْهم تلتمسْ أبداً

بيضَ القلوبِ ولمّا يعرِفوا الغُبْنا

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*