حرّريني من جسدي: شعر: علي غازي- بغداد – العراق

10551510_713304372068655_5846146936857522095_o-300x200

علي غازي

hugo_-_les_miserables_tome_ii_1890_-_i_le_couvent_idee_abstraite
أحبُّ أصابعَكِ على جسدي
أن تشكّليني كقطعةِ مايسُن*
أن تصنعيني عدسةً يُصعُبُ تصديقُها
(2)
السيكارةُ أنثى
القصيدةُ نداءُ أنثى
تندلعُ فكرةٌ فجأةً
ألتقطُ صوراً لأشياءَ لا يُمكنُ أن تُسمَّى
(3)
أنا مزيجٌ من السّوائلِ
أسيحُ مثلَ الماءِ على جسدِكِ
أتشرّبُ كلَّ الحرارةِ
أتبخّر ..
تارِكاً رائحةَ التّجسُّدِ
ذكرى تبتعدُ
(4)
أنا وأنتِ
سنعملُ ثقوباً عِدَّةً في الضّبابِ
منها نتناوبُ على إعادةِ تدويرِ الأفكارِ
وسماعِ أصواتِ الأرضِ
مَن يبقى يحفظ ظلّ الآخر
(5)
كُلُّ المسمَّياتِ لكِ حرفٌ منها
وحرفُكِ الأخيرُ يضيعُ بين اللامسمَّياتِ
(6)
غصنٌ يسقُطُ من شجرةٍ
يركُضُ هارباً
يتعثّرُ بفكرةٍ
كانت تقفُ حائرةً
(7)
دائماً أرسِلُ لكِ رسائلَ
تتحوّلُ مع الوقتِ
حضنَ أمٍّ بلاَ طفلٍ

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر :

 

كان الإلهام الفنّيّ ولا يزال من أشدّ الظواهر غرابة وإدهاشا. ودليل ذلك أنّ عدّة لوحات ومنحوتات وقطع موسيقيّة  تحقّق لها انتشار عالميّ  قد نبعت، بشهادة أصحابها، من أفكار تأسيسيّة مباغتة وفدت على أذهانهم تلقائيّا دون سابق إنذار .حتّى لكأنّها نزلت عليهم من مصدر خارق الذّكاء لكنْ مجهول .

ولهذا السّبب لم تنفكّ تستهويني الشّهادات التي يقدّمها الشّعراء عن تجاربهم مع هذه الظّاهرة ، على الرّغم من أنّ خطابهم مجازيّ ومليء رموزا وألغازا وأبعد ما يكون عن لغة العقل والعلم .

في هذه القصيدة يفضي إلينا الشّاعر بالاضطراب الشّديد  الذي يهزّ كيانه لحظة نزول الإلهام عليه .ويمكن أن نستخلص من شهادته هذه حدوث حالتين  فرعيّتين  في تلك اللّحظة:   إحداهما تتعلّق بطبيعة الإلهام نفسه الذي يلوح في هيئة مصدر من الأحاسيس  المضنية .وهذه الأحاسيس   تنتابه بسرعة فائقة وتستحوذ عليه لكنّها  توفّر له في الآن نفسه متعة غريبة شبيهة إلى حدّ ما باللّذّة الجنسيّة  ( أحبُّ أصابعَكِ على جسدي ) دون أن تكون من هذا القبيل .وهو ما جعل الشّاعر يماهي بين القصيدة وكائن أنثويّ علويّ  يمتلك قدرة عجيبة على التّأثير  المعنويّ  لا يمتلكها البشر( أن تشكّليني كقطعةِ مايسُن*/ أن تصنعيني عدسةً يُصعُبُ تصديقُها).

والظّاهرة الأخرى  هي تماهي الشّاعر  مع السّوائل القابلة للتبخّر والتّطاير .وهو ما يمكّنه من الانتشار في الفضاء (أنا مزيجٌ من السّوائلِ/
أسيحُ مثلَ الماءِ على جسدِكِ/أتشرّبُ كلَّ الحرارةِ/ أتبخّر .. ) ومن ثمّة اكتساب طبيعة أكثر حريّة من التي يختزله فيها الجسد البشريّ .

على أنّ هذه الأحاسيس التي يتعذّر  في الوقت الحاضر وصفها بلغة العلم الدّقيقة الصارمة  لا تنتاب الفنّان عامّة والشّاعر خاصّة إلاّ في حالة الانخطاف.أمّا في  حال غيابها فإنّه يعود إلى ما كان عليه أي إلى بشر عاديّ كسائر البشر .

إنّها قصيدة شائقة تأخذ بالألباب لما تزخر به من صور مربكة  ولما يشيع منها  من أجواء غريبة ملغزة .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*