كنت أريدُ أن أرسُمَ لك عالَمًا :شعر : المايسة بوطيش – عين بنيان – الجزائر

12313570_659252470883972_6129519879690416133_n

في جزيرةِ أحلامي

عرضتُ أجملَ سِنِي حياتي

سِنِي سذاجتي وبراءتي

نسجتُ زربيّةً تغنّي فيها الحياةُ

وطرّزتُ كونًا رائقًا

ثمّ لَبَدْتُ في كهفِ أحلامي  

كنت أريدُ أن أرسم لك عالمًا

أغنّيكَ فيه الشّعرَ

لكنْ يا للأسفِ

لقد سلكتِ الحياةُ مسارًا آخرَ

فخاب أملي

وهوى حُلمي في شارعِ الحياةِ أسمالاً

لم يكن لديّ ما يستحقُّ أن أعطيَك إيّاه

غيرَ الحُبِّ و الحنانِ

اللّذين حُرمتُ منهما في طفولتي

كنت أريد أن أكونَ السِّنديانةَ

التي تحميكَ بظلالها  

المنارَ الذي ينيرُ طريقَكَ ويَهديكَ

كنت أريدُ أن أُهدِيَك عالَمًا

أفضلَ من الذي أُعْطِيتُ إيّاه

وأن أبذرَ كلَّ ما في  الدّنيا من سعادةٍ

في عينيك الجميلتين الزّرّقاويْن الزّاهيتيْن

واأسفي  ويا عمق خيبتي

لتعذِرْني

 فلم ترحَمني الحياةُ

وجدتني عاجزةً عن صدِّ رياحِها  

فطوتْني في اثنينِ

وليس لديّ سوى قلبي الطّافحِ حُبًّا

الرّاقصِ على نغمةِ السْلُو  

 

 

  تعليق : محمّد صالح بن عمر:

 

لئن كانت صاحبة هذه القصيدة  ميّالة ، كما عهدناها، إلى اللّون الغنائيّ فإنّها تضفي عليه في الأغلب الأعمّ مسحة واقعيّة .ولعلّها لهذا السّبب تطرق في أكثر الأحيان موضوعات اجتماعيّة مثلما هو الحال في هذه القصيدة التي تنطلق فيها من تجربة في ما يبدو عاطفيّة انتهت بالفشل وتحمّل نفسها بكلّ صراحة وشجاعة مسؤولية فشلها ،لتصوغ خطابا من جنس الاعترافات في غاية الصّدق ، محدثةً بذلك جوّا من الحميميّة بينها وبين القارئ .

بنيويّا قد أقامت الشّاعرة خطابها على ثنائيّة لافتة : القدرة (فلم ترحَمني الحياةُ/ وجدتني عاجزةً عن صدِّ رياحِها/  فطوتْني في اثنينِ)و الإرادة (كنت أريدُ أن أرسم لك عالمًا- كنت أريد أن أكونَ السِّنديانةَ/التي تحميكَ بظلالها/  أغنّيكَ فيه الشّعرَ – كنت أريدُ أن أُهدِيَك عالَمًا/أفضلَ من الذي أُعْطِيتُ إيّاه ) ربّما لإبراز الاعتراف الذي ضمّنته إيّاه.ففي الشّبكة الدّلاليّة التي تنضوي تحت مفهوم “القدرة”  تلّح الشاعرة  على ضعفها وعجزها عن التّأثير في الأحداث الجارية كما لو أنّها تريد  أن تبرّر للمتلقّي فشلها على الرّغم من  نواياها الطّيبة .أمّا الشّبكة الدّلاليّة الثّانية، شبكة الإرادة فمدارها في النّصّ على تلك النوايا الحسنة التي تصبّ كلّها في خانة واحدة هي إسعاد الشّخص الذي ارتبطت به (كنت أريدُ أن أُهدِيَك عالَمًا

أفضلَ من الذي أُعْطِيتُ إيّاه  ).لكنّ سؤالا يبقى بعد قراءة القصيدة قائما : ما هي أسباب العجز الذي صرّحت به ؟ ومهما يكن من أمر فقد أسهم  السكوت على هذا العنصر في إحداث شيء من التّشويق من شأنه إثارة فضول القارئ والزيادة في  شدّ اهتمامه إلى النّصّ .

في الختام هذه قصيدة اعتراف من أعلى طراز ، موسومة بالصّدق ، مُحكَمة الصّياغة والبناء ، كتبت بلغة سهلة ،كثيفة الصّور.

 

 

 

12313570_659252470883972_6129519879690416133_n

المايسة بوطيش

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*