خرائطُ العازفِ : عبد الله سرمد الجميل – العراق

2015-635836355778060331-806_main

عبد الله سرمد الجميل

ralph_01

 

بينما كانَتْ بُحْبوحَةُ الحيِّ ،          

نصفُها يهجَعُ في شفةِ الأرقِ ،

ونصفُها تهشِّمُهُ الكوابيسُ ،

نزفَتْ خرائطُ العازفِ ،

إنّهُ زلزالٌ عشبيٌّ خبيءٌ سرى في الجمادِ ،

*                    

النّغماتُ تقفِزُ مبلّلةً مثلَ جوفِ الحجرِ ،

بطيئةً مثلَ القُبلةِ السُّلَحْفاةِ ،

مرتعدةً مثلَ لُهَاثِ أسيرٍ فارٍّ ،

*

ليسَتْ ريشةً في يدِهِ بل أفعىً هنديّةٌ تبينُ من جيتارِهِ ،

وتتلوَّى حولَ عَمودِ زفيرِهِ ،

*

العازفُ كلَّ يومٍ لهُ حِدادٌ كأنّ كلَّ الأرضَ ابنتُهُ ،

غيرَ أنّهُ  يتحالفُ معَ طالبٍ جامعيٍّ يقنعُ صديقتَهُ ،

بأنّ النغماتِ ستتمكّنُ من حشرِ ثورٍ هائجٍ في خُرْمِ الإبرةِ ،

*

في قاموسِ العازفِ الوحدةُ نغمةٌ مقدَّسَةٌ والنافذةُ كنيستُها ،

*

العَمودُ الفقريُّ سطرٌ موسيقيٌّ ،

والفقراتُ غرفٌ يستحمُّ فيها لؤلؤٌ ملوَّنٌ ،

*

الشّيخوخةُ الدّامعةُ راقصةٌ شرقيّةٌ ،

تشاهدُ عرضاً قديماً لها من كرسيِّ الإعاقةِ ،

*

السكّةُ قلادةٌ خشبيّةٌ والحقائبُ علاماتُ النّزوحِ ،

*

أنا وزيرُ الطّبيعةِ أستقبلُ في مكتبي مئاتِ الشّكاوى ،

من الأشجارِ تُحْرِقُها الفزّاعاتُ ،

من الهواءِ تثقبُهُ الصّواريخُ ،

من الأسماكِ تكدِّرُ حراشفَها ناقلاتُ النِّفْطِ ،

من التّربةِ تغُصُّ بالجثثِ ،

ومن الطّحالبِ يهملُها النّحلُ ،

*

الخارطةُ الأولى: دو

دويُّ الماءِ في جغرافيا الخفاءِ ،

دموعُ الثّريّا فوقَ جِمَالِ البنفسجِ ،

دمارُ الخريفِ غيرُ الصّحيِّ ،

دماءُ الرّبيعِ تتفتّقُ في ثغرٍ ورديٍّ ،

دِلاءُ الصّيفِ مُنْدَلِقَةٌ في عينِ المنتظِرةِ ،

ودلالُ الّشتاءِ في شفةِ المنتظِرِ ،

*

الخارطةُ الثّانيةُ: ري

رقابُ الأمواجِ تتكسّرُ فوقَ أثداءِ الصّخورِ السّاحليّةِ ،

رحيلُ السّجونِ من قبضةِ الدّكتاتور إلى ذاكرةِ الحطبِ ،

رسومُ الأندلسِ كمُهَدِّئاتِ الأعصابِ ،

رقيمُ الجوزاءِ يزيّنُ مكتبةَ المجرَّةِ ،

رغيفُ الشّمسِ تتناتفُهُ عصافيرُ الغيومِ ،

رسائلُ المطرِ قبلَ أن تتجمَّدَ ،

ورمادُ القلوبِ في قارورةِ عطري ،

*

الخارطةُ الثّالثةُ: مي

مِرْسالُ الحبِّ يضيءُ الوقتَ بالتّوقّعاتِ اللّذيذةِ ،

مدائنُ الأفكارِ اللاّمرئيّةِ تُوجِسُ ولادةً ،

إذْ يحلّقُ فوقَ بضائعِها بِسَاطُ الشّاعرِ العبقريِّ ،

موانئُ النّوارسِ حيثُ ريشُها الأبيضُ صحفُ الأعمى ،

وأعناقُها الحمراءُ المصفرَّةُ خاتَمُ الأصيلِ المنخورُ في إِصْبَعِ النّهرِ ،

ملامحُ الفتاةِ المفردةِ كالزّوبعةِ المفردةِ ،

مَوْصِلُ الشّتيتينِ ومغناطيسُهما ،

مكنساتُ الهواءِ أعني الطّواحينَ ،

مُسْتَجَمَّاتُ المغتربِ أعني المقاهيَ ،

ومداراتُ العرباتِ في شفاهِ الوحلِ ،

*

الخارطةُ الرّابعةُ: فا

فراغاتُ أقفالِ الجسدِ من مفاتيحِ القبلةِ ،

فقّاعاتُ النّدى تنعكسُ عليها أدَمَةُ الفلّاحِ ،

فضاءاتُ الشّرفةِ للمحاصراتِ في بيوتِهِنَّ ،

فُكاهاتُ الحربِ المبكيةُ ،

فِرَاءُ الدّببةِ على أكتافِ الصّيّادِ تفتّشُ عن الثّأرِ ،

وفراقُ المظلّاتِ في الصّيفِ ،

*

الخارطةُ الخامسةُ: صول

صلواتُ العشبِ احتجاجاً على الأسْفَلتِ ،

صوامعُ النّملِ لإقرارِ خُطّةِ الصّيفِ ،

صورُ العائلةِ البيضاءُ والسّوداءُ تلوِّنُها ذاكرةُ القلبِ ،

صباحاتُ الأعيادِ هيَ رئاتُ الرّئاتِ ،

صهيلُ المغاراتِ منطلقٌ من أفواهِ نقوشِها ،

وصَلْصَالُ طينٍ يُشكّلُهُ حفيفُ شجرٍ غبيٍّ بهيئةِ فأسٍ ،

*

الخارطةُ السّادسةُ: لا

ليوثُ عينيكِ تفترسُني في قفصِ القصيدةِ ،

لاءاتُ المظاهراتِ مصفوفةٌ أمامَ دساتيرِ الحاكمِ ،

لعبةُ اختباءِ الطّلقةِ في سترةِ المسدَّسِ الكاتمِ ،

لهيبُ الممالكِ يُرشدُ الخطوةَ الآمنةَ ،

لوحُ جليدٍ يتربَّصُ بهِ شعاعُ شمسٍ ،

ولباسُ المآذنِ من حَمَامٍ ،

*

الخارطةُ السّابعةُ: سي

سطوري قوافلُ من ذهبٍ ،

سمائي جوهرةٌ مسبَّعَةُ النّقاءِ ،

سلالي تلالٌ ربيعيّةٌ مقلوبةٌ ،

سيوفي من حديدِ الكلامِ ،

ساحاتي فارسُها النّسيمُ ،

سؤالي إجابتُهُ سؤالٌ ،

وسطوعي يُعمي الشّموسَ ،

*

شوبانُ يعزفُ كمن يطاردُهُ البحرُ ،

ويداهُ تمسّدانِ جلدَ الحمارِ الوحشيِّ ،

وشوبانُ لم يفعلْ شيئاً سوى التّنزّهِ بأصابعِهِ وهي أعناقُ الزَّرَافاتِ ،

*

الطّيورُ تحسبُ سلكَ الكهرباءِ وترَ كمانٍ ،

الثّيابُ الأنثويّةُ القصيرةُ تتلوّى ولا تجِفُّ لأنّ حبلَ الغسيلِ وترُ كمانٍ ،

وحبّةُ جوزِ الهندِ تكلِّفُ قاطفَها ما لا يحبُّ ،

تترنّحُ لكن لا تسقطُ لأنّ غصنَها وترُ كمانٍ ،

*

تأمّلوا خارطةَ العراقِ ،

تبدو مثلَ آلةِ تشيلو ودجلةُ والفراتُ وترانِ فيها ،

وقد عزفَ عليهما الجميعُ حتّى جفّت الأهوارُ ،

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*