شطرنج … شعر: قمر صبري الجاسم – شاعرة سورية

10351094_486597388136842_122185164564252433_n

قمر صبري الجاسم

10440736_486597444803503_6553622671173975089_n

صديقينِ كانا على مقعدِ الدّرسِ

 يقتسمانِ الطّفولةَ ماتا على بيدقِ الوهمِ

 يقتسمانِ الرّصاصَ مع الذكرياتِ التي انفرجَتْ مثلَ سُمِّ الخِياطْ

 ولا يعرفانِ مَنِ ال”فازَ” بالقتلِ قبلُ

 ولا يعرفُ الثأرُ

مِن أهلِ مَنْ سوفَ يبدأُ

أم سوف يأخذُه اللاعبُ الاحتياطْ

ولمْ يُسألِ الحَكَمُ العالميُّ

لماذا يموتُ الجميعُ

 على جهةٍ واحدةْ

 وكيف تغيّرَ قانونُ لُعبةِ هذي الحياةِ

وكيف القلاعُ تدكُّ القلاعَ

على جهةٍ واحدةْ

 وكيف وكيف

.. وكيف يفوزُ الفريقُ الذي ماتَ

كيف يفوزُ إذن

 لاعبٌ لم يحرِّكْ ولا قطعةً واحدةْ

وكيف تحوَّلَتِ الرُّقعةُ العالميّةُ

 في الشّرقِ

من شكلِها الهندسيِّ

إلى خيمةٍ شاردةْ

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر:

 

إذا كان صحيحا أنْ ليس ثمّة موضوعاتٌ محظورةٌ في الفنّ عامّة – والشّعرُ – لعمرنا – واحدٌ من أقدم الفنون وأنبلها – فإنّ الموضوعاتِ السّياسيّةَ  كانت دائما ولا تزال بمنزلةِ الأرض المتحرّكة التي يكون الشّاعر عليها مهدّدا في كلّ حين بالانزلاق إلى الخطاب المباشر الفظّ المملّ ،  إمّا بإلقاء الخُطب الرنّانة على الجموع الحاشدة و إمّا بكيل المدائح الثّقيلة  أو على العكس  برشق الخصوم بسهام الهجاء اللاّذع . ولقد وَقَتِ الشّاعرة نفسها، منذ البداية، من هذا الخطر الذي كانت،على الأرجح، واعية به.وذلك باختيار استعارة مركزيّة وإثباتها في العنوان ” شطرنج”قبل بناء القصيدة برمّتها عليها . قد تقولون إنّ هذه الاستعارة شديدة التّداول في الميدان السّياسيّ.  أجل ! ولكنّها تستمدّ هنا طرافتها من الطّريقة التي وظّفتها بها الشّاعرة في السّياق المخصوص الذي استعملتها فيه .وهو الحرب الدّائرة رحاها في سورية بين أشقّاء،تلك  التي أودت، إلى حد الآن، بحياة قرابة الثّلاثة آلاف  جلّهم من الأبرياء.

هذه إذن نقطة الانطلاق في هذا النّصّ : خلفيّة حربٍ أهليٍّةٍ صيغت على هيئة صورة استعاريّة . ثم رُسِمت التّفاصيل بلمسات من المعاني الحافّة والمعاني الثّواني التي يمكن للقارئ أن يستخلص منها ما يستخلص، طبقا لما يذهب إليه من تأويلات  . من ذلك البعد الإنسانيُّ لهذه المأساة التي تضع وجها لوجه  في صفّين متعاديين أبناء وطن واحد تلقّوا تكوينا واحدا في المدرسة وقضوا طفولتهم وشبابهم ومعظم كهولتهم معا (صديقينِ كانا على مقعدِ الدّرسِ) .ومن ذلك الطّابع اللاّمنطقيّ والجنونيّ لهذه الحرب التي لا يستطيع أيّ طرف أن يفتخر بأنّه يربحها لأنّ في سقوط أيّ ضحية من الجانبين خسارةً للوطن .ومن ثمّة فلا أحد من الطّرفين المتقاتلين يسجّل نقاطا على حساب الآخر وإنّما هما خاسران معا .ولقد أومأت الشّاعرة، فضلا عن ذلك، إلى المؤامرة الدّوليّة التي تحاك ضدّ سورية ويشارك فيها عربٌ بدعوى الدّفاع عن الشّعب السّوريّ والحال أنّ الأمر لا يتعدّى  مخطّطا جهنميّا لإعادة السّيناريوين العراقيّ واللّيبيّ في أرض الشام  كما لو أنّ المبادئ التي نُصّ عليها في الأمميّة  تتحوّل إلى نقيضها كلّما تعلّق الأمر بالمشرق بل بالوطن العربيّ عامّة .

إنّها لقصيدة سياسيّة مؤثّرة  مستوحاة من الوضع الكارثيّ السّائد في سوريّة و في غيرها  من الأقطار العربيّة ،بمباركة من القوى العظمى المهيمنة على العالم  .وقد جاءت موسومة على نحو عميق بمياسم العدول الشّعريّ ومكتوبة بكثير من اللّطف والرّشاقة.

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*