أحلام لن تتحقّق : حسن العاصي – كاتب فلسطينيّ مقيم في الدّانمرك

Hassan (1)

حسن العاصي – كاتب فلسطينيّ مقيم في الدّانمرك

stock-photo-82674335-young-man-relaxes-on-lake-pier-looks-at-view

 
أحلم بكوخ ساهر تنام الصّخور حوله، وأن يتحوّل الزّمن إلى صدى تهدهده النّغمات . أحلم أن أمضي بلا كتفين وبلا قدمين، وبملائكة الله تقطع هذا الخيط من حول عنقي، وأن أستعيد لوسادتي وقميصي رائحة وطني . أحلم أن أنتمي إلى حدود نفسي فقد مضيت بلا حدود، وبأن تعود أصابعي التي هجرت يدي، وبأن تتوقّف أحلامي .

أحلم أن أخلع رأسي وقلبي وجلدي واسمي، وأصعد نحو المساء الأخير طفلاً صغيراً ضاحكاً، وأغفو على حلم كأنّي لم أغادر . أحلم بعودة زهرة عبرت برقّتها الحدود وبعينين خرجتا مع الفجر ولم تعودا . أحلم أن تتوقّف اختلاجات الأسئلة في صدري، تدور كالعصافير تمرح في ذاكرة الوقت، وبأن لا يتآلف جرحي مع سوط السّلطان .

أحلم أن يخرج هذا الوطن المسطّح الذي يمضي في دمي، وبأن أكنس المجرّات التي تشظّت في أنفاسي، وبأن أنقش على بعض السّهول حكايا العابرين . أحلم أن أعود إلى حواري المخيّم، أرتدي قدري وأعدو بين السّحابة والجدران، أعبر بين الأسئلة والمذابح، أغنّي في الصّمت حينما يلتقي الأحبّة وتشتعل العيون .

أحلم أن أعود إلى أوّل ليلكة في المخيم أعلن أسباب رغيف السّلاسل وأقطف فاكهة الوجع، وبنداء الحواشي المهملة، وبنبوءة تسبق الموت والغبار، وبأن لا يمتنع القلب عن الذّهاب من أسر اللّحظة إلى الكلمة .

أحلم أن يسكنني النّرجس المشطور كي أغالب دوّار الريح، وأمدّ للقامة سندسا، وأضمّ جناحين من تعب وحصار ، أحلم بشمس أراها لأولّ مرّة وبصدف يعانق الرّمل، وبأن لا تضيع قصيدتي بين الشّراع والشّواطئ، وأن لا أخبّئ مواويلي في الحقائب على الأرصفة المهجورة، فمن يحصد عمر المشرد في وردة نزفتها الفصول ؟ .

أحلم أن ينهار وقتي لأنّي عاجز عن التكيّف، وبأن أتوقّف عن البكاء، فأنا أعلم أنّ حزن العينين مرّ، واعلم أني لن أحلّل السّرّ . أحلم أن افتح نوافذ الصّمت في جسد الوطن المتهالك، وأرقد صوب زجاج الحنين .

أحلم أن تطوف روحي في سماء تلك البلاد ليلا وتحطّ عند نافذة أمي الموشّاة بالياسمين، وأحلم لو أنّ الزمن عاد لجنّبتها الكثير من الأمراض التي ابتليت بها بسبب حزنها عليّ، ولكنت قبّلت رؤوس جميع العجائز لأجلها .

أحلم أن تكون الحدائق والمكتبات وملاعب الأطفال أكثر من السّجون والمقابر والمزابل في وطني الفسيح، وأن تعيش الشّعوب العربية كبقيّة خلق الله ، حيث لا نرى فيه معدة خاوية، ولا أستاذ جامعة يعمل سائق تاكسي، وحيث للجميع كرامته و لا أحد تنتهك حقوقه .

أحلم أن يتوقّف صراخ المعتقلين في أقبية السّجون والزّنازين العربيّة التي فيها أناس تعرف الجدران أسماءهم .

أحلم بزيارة قبور من قضوا دون أن أراهم، وقراءة الفاتحة على أرواحهم في بلد بعيد دون خوف . أحلم بعدم الحلم برجال الأجهزة الأمنية، والصّبر على البلاء، وبسفر المواطن العربيّ إلى دولة عربية أخرى دون تأشيرة وكفالات ماليّة .

أحلم أن يتوفّر للعربيّ طعام غير ملوّث، وهواء غير ملوّث، وضمير غير ملوّث، و وطن غير ملوّث، والاكتفاء دون الحاجة إلى ذلّ الإستدانة .

أحلم أن يتوقّف ذبح الشّعب الفلسطينيّ، وأن يتوقّف بعض القادة عن التّشدّق بمصطلحات السّلام والتعايش بين الضّحيّة والجلاّد، مع وجود عشرة آلاف شارون وربع مليون باراك ومليون نتنياهو، فأنين الأمّهات وصور كلّ الشهداء سكنت كلّ بيت ودخلت كلّ ضمير، ويجب أن يفرضوا على كلّ قرار سيتخذ .

أحلم بمن يؤرّخ هذا التّيْه الفاضح بالكرنفالات والمخبرين والبطون الجائعة والعيون المتعبة وحبال المشانق، الريح فيه محمّلة بالخراب، والطّيور فيه تبكي .

أحلم بجزيرة لا يشنقون فيها الناس في كهوف مظلمة، ولا يذبحون فيها الأحلام عند المنعطفات، ويرسمون بالدّم تعاويذَ على الأبواب .
أحلم أن تمتدّ يد لتنتشل هذا الجسد الصّغير المحترق من نار الاستيقاظ ، ويغلّفه بشال أبيض .

أحلم أن لا أموت وحيداً، وأن لا أدفن في غابة الغرباء، وأن لا تنعق الغربان فوق قبري .

أحلم أن تسامحوني على يتم اللّجوء وهدأة الطيف في موتي، وأن تسامحوني لأني اشتكيت مرّة، لأنّهم تركوني بلا غصن يدل” علي .

احلموا .. احلموا أيضاً … احلموا كثيراً .. صدّقوا أحلامكم وكذّبوا أوطانكم .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*