و غابتِ الشّمسُ :شعر: على الكرامتي – شاعر تونسيّ

إلى روح أمّي التي اختطفها الموتُ يوم 23 يناير 2012
يظلّ المرء صغيرا ما دام أبواه حيين فإن ماتا كبُر

10440744_10202055058498527_6455041167396508689_n

على الكرامتي – شاعر تونسيّ

نعمْ رحلتْ فاطمه
و صارَ الصّباحُ يطيلُ التّلكّؤَ حتّى يجيءَ
و يُغمى على الشّمسِ في وضحِ الأفْقِ ..
وهي تـمشّطُ أضواءَها كلّ يومٍ
و أصبحْتُ أشربُ فنجانَ شايي صقيعًا
و لا كعكَ يؤنسُ وحدتـَهُ في الصّواني
أطوّفُ في البيتِ وحدي
أجولُ بعينـي هناكَ، أجولُ بعيني هنا:
غُرفٌ لفّها الصّمتُ…
نافذةٌ لا تطلُّ على أيِّ شيءٍ
دواليبُ تـجثـِمُ مشدوهةً في الزّوايا
على الْجُدُرِ البيضِ ترقدُ ساعاتُنا الحائطيّهْ
سريرٌ تثاءبَ فيه الفراغُ
تـمطّىّ السّكونُ و أرخى يديهِ على كلِّ ركنٍ
مواعـينُ تنعَمُ بين الرّفوفِ بإغفاءةٍ قد تدومُ
و قد نَسِيتْ لذعةَ النّارِ و الـمـاءِ ..
في رحلةِ الانتظارِ الـمريرِ
غـدتْ تستحمُّ بـموجِ الغبارِ الّذي يتهامى من النّافذهْ
و في الـمزهريّةِ وردٌ يطأطئُ أعناقَهُ في ذبولٍ
و سجّادةٌ في الخزانةِ مطويّة..
تترقّبُ أن تستعيدَ استطالةَ أطرافِها بعدَ طولِ انثناءٍ
و ثغرًا يهلّلُ بالذّكرِ و الابتهالِ
و مسبحةٌ ما تزالُ معلّقةً
و قد شاقها منكِ تسبـيـحةٌ و دعاءٌ..
* * *
أتَتْ ليلةُ الـجُـمُعَـهْ
و ما دغـدغتْـنـي روائحُ ندٍّ
و لا نبَسَتْ بالبَخورِ الـمجامرْ
و لكنْ تـجرّدَ سيفُ الـمواجعِ من غِمدهِ
و أشهرَ آلامَهُ في دمي
و راحَ يشقُّ طريقًا له في ضلوعي
و يشرَبُ من أدمعي كأسَ أحزاني الـمُتْرَعَـهْ
بكَيْتُ فلا الدّمعُ جفَّ و لا الحزنُ خفَّ..
و لا أُوصدَتْ بعدُ أبوابُ آلامي الـمُشْرَعَـهْ
فماذا أقولُ لـمِجمرةٍ تتأجّجُ شوقًا
لـمِسبحةٍ تتألّمُ صمتًا
لسجّادةٍ تتضوّرُ طيًّا
أ أخبرُها أنّ مـملكةَ الشّمسِ تنعَى مليكتَها..
فلمن ننـتـمـي بعد هذا الغيابِ
و هذا الخرابِ و هذا الخَواءِ
و لا شـمسَ، تَعدِلُ ،مهمـا سَـمَـتْ، شمسَنا
و هل في استطاعتِنا أن نتبـنَّـى شعورًا جديدًا
يُعوّدُنا أن نهيمَ شعاعًـا غريبًا
كأوراقِ صفصافةٍ قادها الـمـاءُ في سيرِه حيث شاءْ؟
لـمـن تستطيلُ السّمـاءْ؟
و تنثرُ أنجمَها في انتظارِ الضّياءْ
و كيف سنـضبطُ تقويـمَنا في أماكن..
لا تشرقُ الشّمسُ فيها
و لا يعرفُ السّائرون اتّجاهَ الشّمالِ
و ماذا أقولُ لهذا الغيابِ الّذي يتحدّى احتمالي
و يـهزمُنـي كلَّ مرّهْ
و ماذا أقولُ لعينـي الّتـي لن تراكِ
و ماذا أقولُ لقلبٍ سيُدمِنُ ذكراكِ طولَ العمرْ
و ماذا أقولُ لعمري و قد صارَ في قبضةِ الحزنِ..
يهصرُه كيف شاءْ
أنا الآنَ أكبرُ من أيِّ يومٍ مضى
أنا الآنَ أضعفُ من أيِّ وقتٍ مضى
أنا الآنَ أكبرُ عُمرَا و أكبرُ حزنًا
و أصغرُ من أن يداوي شجوني الكلامُ
و أعجزُ أن أعتلي صهوةَ الصّبرِ، في محنتي،
فارسًا ليس يُـنهكُه الرّكضُ في حَلْبةِ الـمِحَنِ الـمقبلهْ
تصدّع من حولي الكونُ و استوحشَ الأمنُ، ساد الظّلامْ
توسّد قلبي الفراغً و نامْ
كلُّ شيءٍ هنا صارَ لا شيءَ و انتهتِ الـمسألَهْ

 

تعليق واحد

  1. Mohamed Salah Ben Amor

    Sawsan Alhajja
    ,وكيف سنضبط تقويمنا في أماكن لاتشرق الشمس فيها ؟ .. رائعة … شكراً

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*