الكلُّ هباءٌ لولاكَ يا وطني !… قصيدة لريم العيساوي – شاعرة تونسيّة

ريم العيساوي

ريم العيساوي

-1-
وراء الفصول البعيدة
عشرون عاما مضت
ووجهك في الغربة
صار هجيرا
وبات هباء..
وبصمة كافر تعفّر جبهتك
و الطرقات البغيضة
تسدّ نوافذ الحلم
والأمنيات تغلّق أبوابها.
تكسرّ  قامة دوحتك الوارفة ..
فتمسي هباء ..
_  2  _
من كلّ الجهات ..
من  الشرق  تحسو مرارة روحك
وتمشي غريبا ..
ومن  الغرب تعدّ ساعات الأسى
و تمسي غريبا ..
ومن شمال الفصول ومن  عتبات شروقها والجنوب
فأنت سجين زمانها والأمكنة ..
عدوّ  مدائنها والأرصفة ..
تبكي عيونك ذاتك فتهذي غريبا ..
ووحدك تخطو خطاك الثقيلة..
وتحمل كأس عذاباتك الصارخة ..
-3-
وتسأل عن سرك المستكين
عصافير حديقتك و الخميلة ..
وتسأل أرضك كيف تغيّر الصحب وخانوا العهود ..
والأقرباء باتوا هباء ؟
وتعزف أوجاعك لتلك البلاد الحبيبة ..
وتسمع صدى البحر  يردّد حسرتك
ولا صوت  يَستَعِيدُ صدى غربتك  ..
وتلك الفصول البعيدة تلاشت
وصارت هباء .. هباء..هباء..

  وذاك النّهار الذي كنت تمسك صهوته
اضمحل وبات سرابا ..
وذاك النخيل لم يعد يحمل ثمرته
قد تسوّس عذقه
وصار هباء ..
-4-
وراء الفصول البعيدة
وعشرون عاما
ووجهك سنونوة
ذبحت نضارة عمرها في الرحيل
وباتت هباء..
تقول لأرضك أحبك يا وطني  !
لأنك أنبل من حكايات جدي ..
وأجمل من وجه أمّي ..
وأسمى من القصص التي شرّدتني
أيا وطني !! أنت أسطورة في مرايا سمائي
ومهما تصد الفصول عن المرآة ظلّي
سأبقى مدى الدهر أهذي :
أحبك يا وطني  حدّ البكاء وحدّ الجنون ..
لأنّي بحبك أمحو سعير تلك الفصول التي عفّرتني
وأسكب ماء قصيدتي على نارها التي أحرقتني ..
-5-
متى تستفيق زنابق الذكريات بين الصّحاب
متى  تشعل العصافير أعراس باب البحر * ؟؟
متى تطفئ تلك الحرائق الحانية في مهجتي
حنيني و عصيان شوقي ؟؟
أيا وطني شرعتي  حبك دوما
وأفنى و أحيا على نبضات حبك
أحبك رغم ضنى تلك الفصول وكيد حراسها
أحبك رغم تمرد الذكريات وقسوة أصحابها
أحبك رغم فحيح الزمان
و أرسم وجهك أسطورة في سماء الفضيلة
ورغم كل المعاصي التي قد نراها وتلك التي لا نراها
فكل الفصول هباء ولولاك يا وطني
ما كنت أبعث في بركة نور  الإله .

 ريم العيساوي

11824956_821357797963510_1793272607725217897_n

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*