كنتُ أجلس عند العشايا شعر : محمّد عمّار شعابنيّة

untitled

 

كنتُ أجلس عند العشايا

على مقعد بلديّ عتيقِ

احتمي من فراغات وقتي بما

يجعل الحَرْفَ عكّازتي وصديقي

أوْ أعدّل دقّات قلبي على

صوْت عصفورة تتظلّل بالشجَرهْ

أو أداعب غادة في زهْوها “1”

عندما تحتفي

بفراشات خمسين شهْرًا من العمْر 

في جسَدٍ حالم ورقيقِ

وهي تقرأ لي سورة الفتح أوْ

تتعجّل في العدّ من واحدٍ خُنْصريّ إلى عشَرَهْ.

***

  كنتُ أجلس صحْوًا وغيْمًا كما

كان يجلس دانتي ولوركا وجبْرانُ..

والنّاس يمشونَ..

هذا إلى موْعد بعد شُغْل ٍحنى

لوْحة الظّهْر ..ما اتْعسَـهْ !

والذي في يديْه الجريدة والخُبْز ليْس الذي

في عناءٍ يُلاحق حافلةً

وهْو يلهثُ مثْل السّلوقِيّ خلْف الطّريدةِ

يجري حزينًا..

وهذي تُحرّك جسْمًا ثقيلاً إلى البيْت أوْ

( بعد حينٍ يغادر ابناءُها المدرسَهْ)

والتي خلْفها

وجهُها غارقٌ في المساحيقِ مثل الفطيرة في الزّيْتِ

بلْ قال عنها فتى لا يبالغ في وصفها:

شعْرها المتَوثّب في لطخة ” الجال” كالمكنسَهْ.

***

  هوّ سرْد وجيزٌ عن المشهد المتكرّرِ

والنّاس يمشُونَ.. أوْ في المقاهي

يَلوكون عِلْكَ الرّياضة والواقع المتردّي

وما ليْس يُجدي وما هوّ يُجدي

وما يتخفّى وراء الوظيفة والشّغْل لكنْ

وجوهَ البطالة تُرهقها قَتَرَهْ.

***

  كنتُ أجلس منْفردُا

أوْ أواري رُفاتَيْن من قلقي

في مرايا جليس وحِيدْ

فالكلام الذي لا يزيدْ

عن لسانَيْن أنْقى وأرْقى

وللوِدّ أبقى

سوى أنني عندما

يَتحَيّنني عابر بالتّحيّة أوجز ردّ السلامْ فالكلامْ

في شفاه المناجم لا يقبل الثّرثرهْ.

***  المناجم … مْصطبة الحَرّ والبرْدِ

تِيه النّعامْ

صرْصرات النّسور العتيقة ِ..

حُزْنُ الأراوي إذا شحّ قَطْرُ الغمامْ

خشْخشات الثّعابين ..زحْفُ السّـوامْ

سَطْوَة الغول.. اسطورة الجِنِّ

محْميّة سَيّجتها حكاياتها :

الحراذينُ تحْبو على مرْمر الصّبح منْسرحهْ

والأرانب تُولِج أحلامَها في فراء الضّحى

والخنافس تَدْرج إذْ تُصبح الشّمس في

حلْقة الأرض قَلْبَ الرّحى

والضِّباب البطيئة في خيْمة الظّهْر مُنْبطحَهْ

واليرابيع تحني رِقاب السّنابل في عُنْفوَان الأصيلْ

والحُبارى تُراوغ قنّاصَها في مَجاز الغُروبِ الظّليلْ

والقنافذ تسْعى إلى قُوتها أوّلَ الليل مُحْتشمهْ

والثّعالب تشحذُ أعْينها في الظّلامْ

والذّئاب التي لا تنامْ

قبْل أنْ تتخضّب بالدّم سِيقانُها

عندما، في مَقام النّهاوَنْدِ تَعْوي،

تُعَلّق أصواتِها في السّماءْ

والضّباع الحزينة إذْ تتثاءب في سَحَرٍ

تتعكّر امزِجةُ الأحْمِرَهْ

والقطا يُوقظ الفجْرَ إذْ يفتح الأجنحَهْ.

……………………………………… 

والمناجم بحْبوحة الشِّيحِ… 

والعَجْرم المُتَحَلّقِ

والباقل المتأنّقِ 

والحرمل المتعَرّقِ

والصّبَطِ المُتَفرّقِ

والقِيزِ…

الطِّيزِ… 

والرّمْثِ..

والكُرْثِ(2) طاحونة الرّيحِ..

إرْثُ العصور الخوالي

علاماتها في طريق القوافل وضّاحةٌ …

  هِجْرة البحر في الزّمن الإيّوسيني القريبْ رَ

كمَة الحُوت في مخزن الأرضِ..

عُرْيُ الجبالْ الكئيبْ

المناجم آهِلة مُقْفرَهْ

. ………………………  ……………………… 

 

 

“1” غادة ابنة جاريْن غير قادريْن على النّطق تلقّفتها زوْجتي بعد الولادة لإحاطتها بأجواء الكلام الذي برعت فيه عند بداية نطقها وتوسّعت فيه بفصاحة أكبر من سِنّها ، وهي تقيم عندنا،كفرد من افراد العائلة أكثر من إقامتها بمنزل ابويْها.

“2” نباتات تتواجد بكثرة في مناطق الحوض المنجمي.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*